السبت، 11 يناير 2014

الإيروتيكيّةُ مفهومًا، مبعثا و تاريخًا



  • في الأدب الإيروتيكي !منقول من مدونة سادة الفكر

    الإيروتيكيّةُ مفهومًا، مبعثا و تاريخًا



    * هل اللّغةُ الإيروتيكيّةُ هي لغةٌ مستحدَثةٌ، تحملُ نسَقًا ثقافيًّا جديدًا ومُغايرا؟ وهل تأتي الكتاباتُ الإيروتيكيّةُ العربيّةُ في تفاصيلِها الدّقيقةِ على نسقٍ غربيٍّ وأوروبيٍّ حديثٍ ؟ هل خلا تاريخُ الأدبِ العربيِّ من أدبِ الجنسِ والوطءِ والشّذوذِ واللّواط؟ هل ثقافتُنا ترفضُ الأدبَ الآيروسيّ، وتتناولُهُ كمحظور اليوم ؟
    هل هناكَ فروقُ تمييزٍ بين الثّقافةِ الجنسيّةِ والبورنوغرافيا؟ وهل الإيروتيكا لغةٌ صفراءُ هدّامةٌ، أم خضراءُ بنّاءة ؟ وما هي مقاييسُ تقييم النّصّ الأدبيّ، إيروتيكيّته، أو صوفيّته، أو طُهرُه أو موهبتُه، أو دوره التّوجيهيّ ومهمّته التربويّة، أم.....؟ وهل وزنُ الإبداع بتشكيلاتِهِ؛ كلمةً - رسمًا - نحتًا - صورةً - أعلى مِن الأخلاق، أم موازيًا، أم أوطأ ؟

    مبعثُ كلمةِ إيروتيكيّة؛ آيروسيّة/ ومعناها :

    آيروس في الميثولوجيا الإغريقيّةِ هو إلهُ الحُبِّ والرّغبةِ الإباحيّةِ والجنس والخصوبة والسّعادة، وكانَ ملازمًا لأفروديت أمّه، وراصدًا لتجلّياتِ الجنسِ عبْرَ الحضاراتِ البشريّةِ، فصُوّرَ أعمى لا يرى عيوبَ المعشوق، أو بجناحيْنِ في زرقةِ السّماء، أو عازفًا على قيثارة، أو ممتطيًا ظهْرَ دولفين، كما ظهرَ في الفنِّ القبطيِّ والمصابيح.. والكلمةُ إيروتيك erotic مشتقّةٌ مِن الكلمة eros؛ أي جنسيّ وشهوانيّ، يُماثلُهُ في الميثولوجيا الرّومانيّة كيوبيد، والمحاورُ الّتي تدورُ في فلَكِها الآيروسيّةُ هي: الرّغبةُ الجنسيّةُ العارمةُ والجامحة، والجسدُ والانتشاءُ ما بينَ خمرٍ ومُجونٍ طائشٍ، وتجاربُ جنسيّةٌ عابثةٌ ظامئةٌ، تتلوّى على وترِ الشّرهِ والافتتان.

    تاريخ الإيروتيك :

    الإيروتيك ومنذُ عهدِ الكهوف والأساطير، هو جزءٌ مِن الثّقافةِ العتيقةِ، والّتي تنطوي على مُجملِ الفِكرِ بشرائعِهِ وعاداتِهِ وتراثِهِ المكتوبِ والشّفهيِّ والمُصوَّر، والّتي تناولَها المفكّرونَ والمبدعونَ شرقًا وغربًا، فالأساطيرُ بوحشيّتِها العنيفةِ الضّاريةِ، وبأشعارِها الفاحشةِ وحكاياتِها الشّبقةِ، ولوحاتِها الجداريّةِ الجنسيّةِ الماجنةِ، كانتِ الشّاهدَ على الظّروفِ التّراجيديّةِ والطّقوسِ الحياتيّةِ لتلكَ العصور، الّتي لا يُراودُها أيُّ إحساسٍ بالذّنبِ أو الخطأ، لعدمِ تمييزِها بينَ البهجةِ والفزعِ آنذاك !

    ثمّ تبلورتْ فكرةُ الإيروتيك في العصورِ الحديثةِ ما بعدَ عام 1300 م، في التّماثيلِ الإغريقيّةِ ولوحاتٍ تصويريّةٍ لمايكل أنجلو وليوناردو دافنشي، فانتقلتِ الآيروسيّةُ الإغريقيّةُ اليونانيّةُ إلى الإمبراطوريّةِ الرّومانيّة، ومِن طورِ الحيوانيّةِ الغريزيّةِ الشّبقةِ والنّشوةِ الفزِعةِ، إلى طوْرِ الافتتانِ بأعضاءِ الجسدِ والفرح الآيروسيّ، فعجّتْ جدرانُ البلاطِ الرّومانيِّ البورنوغرافيّة، وغرفُ نومِ الإمبراطور، بلوحاتِ المومساتِ للرّسّام اليونانيِّ بارازيوس، ولاحقًا اختفتِ اللّوحاتُ وطُمِرتْ بينَ رُكامِ الإثمِ والفزع، لماذا؟ هل كما يقول أفلاطون : "الفزعُ أوّلُ هديّةٍ يُقدّمها الجَمال"؛ جمالُ التمييز والإداراك والتقييم ؟
    عادَ التّنقيبُ عام 1763 ليُظهرَها ثانيةً في "ديوان اللّقى الدّاعرة"، في عهد غاريبالدي، تحت مسمّى "مجموعة البورنوغرافية".

    في الأدبِ الهنديّ "كاما سوترا"، أي عِلمُ الحبِّ والعشقِ الإلهيّ ! ظهرتْ في فترةِ الازدهارِ الثّقافيّ، بينَ القرن الأوّل والسّادس ب. م، ووضعَها الفيلسوف فاتسيايانا، وهي نصٌّ هنديٌّ قديمٌ يتناولُ السّلوكَ الجنسيَّ لدى الإنسان، وكلمةُ كاما تعني الحبَّ والرّغبةَ، وكلمةُ سوترا تُشيرُ إلى سلسلةٍ مِن الحِكَمِ، حيثُ يتضمّنُ نماذجَ مِن أوضاعٍ جنسيّةٍ كانتْ تقدّمُها البغايا في المعابدِ الهندوسيّةِ، حيثُ الجنسُ عُدَّ جزءًا مِن طقوسِ العبادةِ في ذلك الوقت.
    في الأدبِ الصّينيِّ الكلاسيكيِّ ظهرتْ روايةُ "اللّوتس الذّهبيّ"، للمؤلّف وانغ شيه-شنغ، كأشهرِ روايةٍ آيروسيّةٍ صينيّةٍ حولَ الحُبِّ الجسديِّ، وأنماطِ نشاطاتٍ جنسيّةٍ بأسلوبٍ تصويريٍّ دقيق.

    أمّا تاريخُ الكتاباتِ العربيّةِ، فمنذ الأدبِ الجاهليِّ احتوى الكثيرَ مِن الآيروسيّةِ بجرأةٍ فاحشةٍ، في زمن الجاحظِ والتّوحيديّ وابن حزم، وألف ليلة وليلة، والتّيفاشيّ والتّيجانيّ والإمام السّيوطي المتوفّى عام 911 للهجرة كتبٌ جنسيّة، والنّفزاوي الطّبيب الفقيه مؤلّف كتاب "الرّوض العاطر في نزهةِ الخاطر"، وهناك موقع ألكترونيٌّ مستوحًى مِن شخصيّةِ هذا العالِم المغربيّ، وهناكَ كتبٌ فقهيّةٌ لم تَخْلُ مِن معالجاتٍ جريئةٍ لمواضيعَ جنسيّةٍ بحتة، كآدابِ النّكاحِ وأنواعِ الجنسِ وأوضاعِهِ، ومُعلّقةُ امرئ القيس تحتشدُ بالكثير مِن الألفاظِ الفاحشة، وأبو نوّاس في شعرِهِ الآيروسيِّ، والعقد الفريد للرّاغب الأصفهانيّ تضمّنَ رواياتٍ جنسيّةً وصورًا جنسيّةً وكلماتٍ أيروتيكيّةً كثيرة، وقد اختفت الكتاباتُ والألفاظُ الصّريحةُ بعدَ ذلك.

    *وعودةٌ متسائلةٌ لتلكَ العصور؛ هل كانَ ذاكَ المجتمعُ أكثرَ تسامحًا، وهل كانتْ أمورُ الحياةِ تُناقَشُ بحرّيّةٍ واستفاضةٍ أكبرَ ودونَ تورّعٍ أو تهيّبٍ، أم أنّ هناكَ حساباتٌ أخرى قامَ عليها ذاكَ الانفتاح آنذاك، مَردُّهُ الاستفادةُ لا الإثارة ؟

    * إذًا؛ لماذا تقلّصَ وجودُ الإيروسيّةِ مع نهايةِ القرن التّاسع عشر في ثوبِها الضّيّقِ المحدودِ، ثمّ عاودتْ ظهورَها والجنسَ الضّبابيَّ والمكشوفَ في الرّوايةِ بالقرنِ العشرين ؟

    * أليسَ هناكَ لغةٌ بمبناها ومعناها وإبداعِها الفنّيّ، عبّرتْ عن بشاعةِ الواقع والظّواهر السّلبيّةِ، وعن الجسدِ بما يختلجُهُ مِن مشاعرَ إنسانيّةٍ، بلغةٍ ساميةٍ راقيةٍ، وبلغةٍ متواريةٍ وبإشارةٍ عابرةٍ لا تخدُشُ الحياءَ، كما فعلَ ماركيز، وغسّان كنفاني، دونَ أن يخوضا في تفاصيلِ وصْفِ العلاقةِ والمضاجعة، إلاّ بأسلوبٍ مرهَفٍ دونما إسفافٍ، ودونما استعمالٍ لكلامٍ مؤذٍ للبصرِ والسّمع والذّوق والحواسّ؟

    * هل بالإيروتيكيّةِ مرجعيّةٌ حقيقيّةٌ لانحطاطٍ وجوديّ، ولواقعٍ همجيٍّ مقشّرٍ من إنسانيّتِهِ، وعارٍ إلاّ مِن قيَمِهِ المزيّفة وتناقضاتِهِ الهستيريّة ؟
    أهو نوعٌ من التّوْقِ الجارفِ للتّحرّرِ مِن ثِقلِ المكبوتِ التّاريخيِّ الرّازخِ على فِكرِ المرأةِ والرّجل معًا ؟

    * هل الاستسلامُ الكلّيُّ للجسدِ الشّبقيِّ وفتنتِهِ وغوايتِهِ القاتلةِ، يُقدّمُ للكاتبِ وللمجتمعِ الدّفءَ والحنانَ والاحتماءَ الوجوديّ، ويوفّر الأمانَ والإحساسَ بالحياةِ الحقيقيّةِ الفاضلةِ، ويَصنعُ الحياةَ بشخصيّاتٍ سويّةٍ تعي واجباتها وحقوقَها في إعادةِ التّوازن ؟


    آمال عوّاد رضوان




  • حبر

    ما هو الأدب الإيروتيكي ؟

    قبل السؤال عن طبيعة الأدب الإيروتيكي يتوجب السؤال عن المرأة المتحررة، وهو أمرٌ يدفع المرء دفعاً لكي يُعلن ما يعتمل في فكره بصراحة غير مرغوب بها. الوضوح في موضوعات كهذه هو شيء غير مسموح به دائماً في المجتمع العربي الذي يفضّل نوعا من (التقية) على طريقة بعض المذاهب الإسلامية التي تُعلن غير ما تُضمر.

    إنه سؤال ملغوم، ويتوجب أخذ الأفكار الواردة هنا على محمل أكثر أريحية وغض الطرف قليلاً عن النبرة التقريرية الممكنة فيها.

    يبدو أن نمطا نادراً من السيدات المتحررات قد أجرين فحصاً واعياً للأكذوبة الاجتماعية والروحية والأخلاقية المنزعجة من تحديهنّ، وإنْ كان طفيفاً، للمعيار السائد المصنوع وفق مواصفات سادةٍ من الذكور مشرّعي العُرْف. هؤلاء الذكور لم يفحصوا حتى مفهوم (الرجولة) بشكل كافٍ أكثر نبلاً وأصالةً وتماهياً مع مبادئ الكون الجوهرية وقوانينه الطبيعية.

    ثمة سيدات يتمسكن بأنوثتهن بوصفها ميّزة وليست عيباً، ويتصرفنّ وفق ذلك. على أنهنّ مع ذلك يستهدين بالقوانين السلوكية والاجتماعية والثقافية التي تحكم الرجل العربي نفسه. ومما لا شك فيه فإنه يوجد فيما يتعلق بتصرفات الرجل العربي الكثير من قواعد (الاحترام) و(التفهّم) لمبادئ السلوك التقليدية المألوفة.

    يبدو التحرر وكأنه دخولٌ في عالم فيزيقي تلقائي واندماج مع الطبيعة الأصلية الممنوحة للبشر، وليس انفلاتاً غير مسؤول، كما يعلم جميع الرجال (المتحررين!).

    تظل علاقة الإنسان بجسده، ذكراً وأنثى، علاقة من الخصوصية بمكان، وليس من المستحب خدشها البتة. المرأة المتحرّرة المُفترضة لا تخضعْ لشروط العبودية وتقاليدها التاريخية التي تصير وكأنها قوانين نهائية لعبودية النساء جميعاً في مجتمعاتنا والتي لا تتطابق، عملياً، مع الوقائع الفعلية لما تقوم به النساء، في العلن غالباً، وفي السرَ في أحيان كثيرة أخرى.

    لا أحد يحتمل تحرر المرأة في العالم العربي إلا نظرياً. الوجهة النظرية لا تكلّف سوى بساطة الكلام. غالبية الرجال العرب الذين نعرفهم ينطلقون عملياً من مبدأ بسيط للغاية ينطوي على هذه الأحبولة: إنني أدافع عن تحرر للمرأة شرط أن لا تكون زوجتي أو أختي أو ابنتي، وعندما سيتعلق الأمر بهاته النساء فلسوف أرى رأيي. ورأيه كما يعلم الجميع يندمج بعمق مع تقاليد موغلة في إيجاد أسباب ومسببات (تفرض) وتفترض الحدّ من أي تحرر، للمرأة أولاً وللرجل من قبلها وإن بدرجات.
    ما يُرفض في الحقيقة هو (النديّة) في الطبع الإنساني. إن أبرز ممثلي (المجتمع) المدني الافتراضي المُدار من طرف الرجال، لا يطيق صبراً ولا يحتمل استيعاب فكرة الندية عبر مبرراتِ منطقٍ شكلانيٍ مفبركٍ في الغالب.

    يرى فارضو قوانين العُرف الاجتماعي أن أية نزعة تحررية نسائية هي رديف للرذيلة، وهي فكرة لا تقوم الكثير من البراهين عليها، إلا قدر ما تقوم على سلوك البعض من الرجال ممن يسيئون استخدام الفسحات الواسعة الممنوحة لديهم. يظنّ الرجال بأن سيداتنا الجليلات وبناتنا العزيزات سيقمن بفعلٍ ملتبسٍ لو تهيأت لهنَّ مساحاتهم هم من الحرية. قد يكونون على صواب، وفي هذه الحالة فإنهم سيفرضون علينا هذه المرة تناقضَ منطقهم الداخلي المؤدي إلى القمع السافر لحرية الكائن الأنثوي، و(للحريات العامة) في نهاية المطاف.


    ثمة (خوف داخلي) من الحرية القائمة على مبدأ الندية. هذه الأخيرة ليست معادلة رياضية، وإذا لم يجرِ حيازتها علناً وبالتراضي، فإن المجتمعات العربية تبرهن بما لا يدع مجالاً للشك بأنها، أي النديّة، تفرض نفسها بالسرّ ومن دون أي تراضٍ. من هنا كثرة الخفيّ والمستور، المشروع في نهاية المطاف، من علاقات الرجال والنساء العرب عبر التلفونات والأنترنيت. لا يمكن توصيف هذه المغامرات بالانحطاط، كما قد يقول البعض، وإنما يتوجب فهمها كآلية وكرغبة في تحقيق التحرّر الفعلي للمرأة والرجل كليهما، وإنْ كان تحرراً منافقاً ومن طراز خاص لا يرغب الاصطدام بأحدٍ.

    بين (التحرر) و(الانحراف) ثمة الفارق نفسه بين القبلة الطاهرة على الشفة والقبلة الفاجرة على ذات الشفة. لكن ثمة قبل ذلك كله (الرضا الداخلي) العارف، القابع في كينونة الإنسان العميقة، بأن هذا الفعل من طينة الانحراف بينما ذاك الفعل من طينة التحرر الإيجابي. رضا لا يمكن إلا للثقافة وللانفتاح الحر للنساء على العالم أن يُنْضِجُاه على نار هادئة ويمنحاه هيئةً وشكلاً غير مُلْتَبِسين. الالتباس على أية حال يقع في جوهر الكينونة وهو موضوع آخر. لكن الرضا الداخلي المتيقن من أن سلوكاً معيناً إنما هو فعل بالغ الخطورة في مقابل سلوكٍ حرٍّ يحترم الرغائب البديهية، هو رضا لا يمكن أن ينبت في أرواح خاضعة لقمع مستمر عبر اللغات المنطوقة واللغات البصرية.

    الكينونة مقموعة، بشكل خاص في العالم العربي، عبر أنساقٍ دلاليةٍ رمزيةٍ لا تقل أهمية عن الأنساق السافرة. ومن هذه الأنساق الرمزية ذات البعد السوسيولوجي نستطيع التأمل بفن تفصيل الأزياء وطريقة ارتدائها، بوضعيات الجلوس في الأماكن العامة، باستخدام العيون بصفتها (لغة إشارية) للتحايل على المحظور، كما باستخدام أعضاء الجسد الأخرى في الفضاء مثل وضع الساق على الساق أو طويهما بتحرُّج شديد أو بحياء بالغ واعتبار تلك الوضعية عورة من العورات.

    هذه الأنساق والأنظمة الرمزية يمكن أن تكون بريئة وطفولية وتُشْعِر بالرضا والأنوثة، كما يمكن أن يُساء استخدامها بشكل ماجن. لا تتعارض الطهارة مع الأنوثة المتحررة التلقائية إذا لم تشع منها. بينما يطلع الانحراف من التقنين الذي يجعل كلِّ الدلالات والأنساق الرمزية (عيباً) وفجوراً عندما تستخدمها النساء على وجه الخصوص.

    لا يعرف أحد في العالم العربي الكيفية الممكنة التي تؤول إلى خلق وعي جديد لصالح (امرأة متحررة) بالفعل، طالما أن البعض أو الأغلبية، خاصة المثقفة، تنطلق من منظومة من القيم التي لم يجر فحصها والتدقيق بها. الأمر متروك للسجالات حول موضوعات مثل هذا، كانت في بداية القرن الماضي مادة خصبة للحوار العنيف المفيد، مما قد يفتح كوّة لتفكير من طراز مختلف.

    عندما يتعلق الأمر بالتحرر النسائي، لا تفضّل مجتمعاتنا العلاج الجذري بالأدوية الكيمياوية المضادة لسرطاناتها إلا بعد استفحال المرض، ولكنها تفضّل دوماً الأعشاب البلدية والطب الشعبي الهادئ الذي لم يُبَرْهَن بعد على نتائجه في حالات السرطان أو أنه يحتاج لزمن طويل لكي يبرهن على فاعليته الفارماكونية.

    الأحبولة مُحْكَمة في زمن صعود الأصوليات وانفجار المعايير التقليدية بسبب غزو مفهومات الحداثة (غير المُرحب بها سوى على الصعيد التقني لوحده) وفي زمن إنهاء الطبقة الوسطى التي قادت كلها إلى تفكّك النسيج الاجتماعي الذي تشكل المرأة نصفه كما يعرف حتى أطفال الثقافة العربية اليوم.

    ما هو الآن نصيب الأدب الإيروتيكي الذي تكتبه النساء العربيات (المتحررات) من ذلك كله؟


    منذ أكثر من عقد من الزمن صرنا نواجه كتابة يقال لنا أنها من طبيعة أيروتيكية.
    أظن أن الأمر يتعلق بموجة عارمة ستنطفئ حالما يشبع البعض فضولهم. موجة فيها لعب مشروع على المكبوت والمحرّم. لا أحد ضدّ ذلك إذا كُتب النصُّ بطريقة جمالية وإبداعية راقية. هذا الضرب من الكتابة محبذ وضروري لأنه يستثير المخبأ طويلا ويعلنه على خفر، ويعلن مشاعر سيدات طالما قمع قولهنّ لما هو بديهي في أرواحهنّ وأجسادهنّ. لكن هل لدينا شاعرة من طراز (غابريللا ميسترال) الحائزة على نوبل التي تقول الإيروتيكي بطريقة مختلفة عن بعض شاعراتنا العربيات:

    "عندما ينحنون فوقي فكأنهم ينحنون على بئر عميق"

    هذه واحدة من جملها عن عشاقها. لننظر إلى المعنى الغريب والجميل والإنساني الذي تتضمنه هذه العبارة الايروتيكية ظاهرياً. إن الفروق الدلالية كبيرة بين مستوى هذا القول وبين التلميحات النيئة للجسد أو المباضعة. لماذا يلحّ البعض في ثقافتنا على وجود ما نسميه (الشعر النسوي)؟ لم نجد مثيلاً لهذا التعبير في الثقافة الفرنسية مثلاً إلا ربما لدى متطرفات النسوية. أين هن متطرفات النسوية في بلداننا؟ أين هي النسوية قبل ذلك في بلداننا؟ لقد وصلت متأخرة وبتعبيراتها المطلبية العادية.

    الأدب واحد. توجد في الغالب ضرورات سوسيولوجية لأن تكتب النساء أدباً مختلفاً في موضوعاته وربما في رؤيته. وهذا أمر آخر بديهي، ندعو إليه طالما يجب احترام الحدود بين عالمين فيزيقيين. كانت الاختلافات تقوم دائما حول حدود مشكلة (التابو) وطرائق المعالجة الفنية والجمالية. فما بين (الإيروتيكية) و(البورنوغرافية) ثمة بون شاسع. بين التعبير اللاعب على المكبوت من جهة ومتعة النص أيا كان موضوعة من جهة أخرى ثمة فارق ليس هيناً. الضجيج الحاصل حول بعض الروايات التي تكتبها بعض الروائيات العربية لا يطلع من الأدب الصافي قدر ما يطلع من الفضيحة، ومن اللعب المجاني على المحرّم الاجتماعي وإثارة المكبوت طويلاً في المخيال الثقافي العربي. كنتُ أظن أنني وحدي من يعتقد ذلك حتى صرت أقرأ مؤخراً بشأن الروايات نفسها مقالات مريرة ساخطة على هذا الضرب من الكتابة. يكتب غازي الذيبة مثلاً في (الوطن القطرية، 27-6-2003): "وعلى جانب آخر، طنّتْ ورنّتْ أقلام وأجراس النقاد والقراء المتعمدين ودور النشر العربية التافهة ....لروايات كاتبة اسمها لمن يعرف اسمها جيدا (....)، وبدأت طبعات رواياتها تنهال الواحدة تلو الأخرى، من ذاكرة الجسد إلى عابر سرير، ضاربة على وتر حساس من أوتار الغريزة، ومحققة عبر من يروجون لها حضوراً، قتل الكثير من سعاة الكتابة الفعلية في أدبنا العربي، صحيح أن (فلانة) هذه، لا تستحق أن تنتشر كما هي عليه الآن، لكن من الجيد الاعتراف هنا بأنها تمكنت من كشف عورة دور النشر العربية، وسُخْفِ نقّادنا بل وتفاهتهم، لأنهم استقبلوها بالأحضان والقبل النقدية وليس بالنقد، اخرجوا من بطونهم كل ما يغلي من رغبات (...) ودبجوها مقالات ودراسات تمتدح جرأة امرأة في سن اليأس الإبداعي أصلاً". وفي مقابلة مع د. عالية شعيب في (الأهرام العربي، 2 آب 2003) تقول في رد على سؤال فيما إذا كانت الكاتبة المذكورة أعلاه أفضل قاصة عربية تجيب: "مستحيل‏، إلا إذا كان المعيار شكلها وجمالها. شخصيا لا أقرأ لها‏، ولا أحب ما تكتبه‏، أشعر بملل شديد حين أحاول أن أقرأ شيئا لها‏، رغم أنني لا أعرفها شخصيا‏ً، أما عن روايتها‏،‏ فهي فاشلة وتافهة ومملة وساذجة‏، ونالت شهرة. لا تستحقها. أما رواية عابر سرير قلت لنفسي ربما سأجد فيها شيئا جديدا‏ً، ولكنها ـ للأسف ـ كانت أيضا مقززة‏، ومفتعلة‏، وبعد قراءة عدد من الصفحات وضعتها علي الرصيف لأي عابر سبيل‏".


    ومن الواضح بأننا لا نمتلك هنا موقفاً سلبياً من الكاتبة المذكورة قدر ما تعنينا كتابتها الروائية ضمن الظاهرة الموصوفة.

    كلّ (تابو) في الكتابة والحياة يبقى قليل الشأن، ولا يستطيع مدّ الكتابة والحياة بشروط حياتهما السرية. تبدو قاعدة احترام الكاتب قوانين الإبداع العتيقة جدا هي القاعدة الذهبية الوحيدة المعروفة قبل أي قاعدة وفوق أي موضوع مُعالَج إيروتيكيا كان أم دينياً. من أجمل الروايات التي يمكن قراءتها هي رواية للكاتب الأمريكي اللاتيني (يوسا) وعنوانها (في مديح الخالات)- دار الانتشار العربي، وهي واحدة من القمم الايروتيكية في تقديري، لأنها مشغولة ببناء مركّب ومكتوبة بلغة ساطعة. الايروتيكية لها طعم آخر في هذه الرواية ونحن نهجس أنها تريد أن تقول شيئا آخر أكثر عمقاً عن معضلة الكائن البشري. ومثلها مثل رواية (في مديح النساء الأكبر سناً) لستيفن فيزينشيي وقد صدرت بدورها عن الدار المذكورة أعلاه. إنهما روايتان أبعد في الإيروتيكية من الكتابات المباشرة الجسورة للبعض من صديقاتنا العربيات. إننا ندعو إلى التخلص من المكبوت ونأمل. الكتابة هي شكل من أشكال الانعتاق والخلاص حتى بمعناه الديني المسيحي. الكتابة لا تُنافِق. الكتابة تطهّر الجسد حتى عند الكتابة عن الجسد نفسه في أكثر ألاعيبه شيطانية وألماً شبقياً. هل يتوجب علينا جميعا أن نقرأ من جديد كتاب ابن حزم الأندلسي (طوق الحمامة) ولا ننسى تتمته (في الإلف والالاف)؟.



    شاكـر لعـيـبـي




  • حبر

    الكتابة النسوية بين الإيروتيكية والإباحية


    ارتبطت الكتابة الايروتيكية النسائية في الغرب بالنسوية (Feminism) التي تبلورت في ستينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من ان تعريف النسوية بوصفها نظرية بدلا من حقيقة

    كونها حركة تاريخية فاعلة منذ قرون بعيدة يعد اختزالا، إلا إنني سأتناول الجانب النظري من هذه الحركة وارتباطه بالكتابة الايروتيكية النسائية. وفي هذا السياق يمكن تصنيف النظرية النسوية الى ثلاث مجموعات عامة (1) :

    1.النظريات التي تركز على رؤية جوهرانية تضم التحليل النفسي والنسوية الفرنسية.

    2.النظريات التي تهدف الى تحديد او تأسيس تشريعات او نظريات أدبية نسوية بغرض إعادة تفسير او مراجعة الأدب والثقافة والتاريخ من وجهة نظر اقل بطريركية وتضم هذه المجموعة النسوية الليبرالية و النقد النسوي.

    3.النظريات التي تركز على الاختلاف الجنسي والسياسات الجنسية وتضم الدراسات الجندرية والنسوية الثقافية والنسوية الراديكالية والنسوية الاشتراكية /المادية .

    ساهمت النسوية في تفعيل النقاش الجاد حول ما الذي يعني أن يكون الكائن البشري امرأة، والبحث في البنى الثقافية والاجتماعية التي حددت السمات الأنثوية وكان من أوائل المشاريع المدرجة في النظرية النسوية إحياء أدب المرأة الذي لم يحظ بالاهتمام الكافي في حينه .

    كان الجدال بشأن حق المرأة في تقرير مصيرها الجنسي او الايروتيكي في قلب النظرية النسوية . وتركزت المناقشات حول نقطتين متناقضتين : فمن ناحية عرفت الجنسية البطريركية بوصفها المساحة الأهم لتأكيد دونية المرأة وشيئيتها، ومن ناحية أخرى فان ممارسة المتعة الايروتيكية وتأكيد حق الإنسان في تقرير مصيره الجنسي أصبح عنصرا أساسيا للموضوعية والقوة وبالتالي دعامة أساسي في النضال من اجل تحرير المرأة.


    رأت النسوية في الايروتيكية مصدرا لقوة المرأة وليس لدونيتها وثمنت الايروتيكية من حيث كونها مشاركة جسدية واعتبرتها سلطة فاعلة لتقويض الهيمنة بكافة أشكالها واعتقدت ان تبخيس الايروتيكية ومحاربتها يعود الى طاقة التغير الذي تمنحه للمرأة وبهذا المعنى أضحت الايروتيكية ذات بعد سياسي حين امتلكت قوة كامنة ليس فقط من اجل تحقيق الخصوصية الفردية والمتعة وإنما كونها تمنح القوة الاجتماعية بغية إحداث تحويل في مجتمع " عنصري، بطريركي، و معاد للايروتيكية " . شهدت الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي طوفان كتابات أطلق عليها "الايروتيكية النسوية" ـ لتميزها عن الكتابة الإيروتيكية التي يكتبها الذكور، التي كانت موجودة دائما في الآداب العالمية، بينما جاءت الايروتيكية النسائية نتاج وعى جديد بدأ مع الحداثة ومر بعدة مراحل وارتبط بما يعرف الآن بكتابة الجسد ـ ودشنت بالتالي ظاهرة عرفت لاحقا باسم الثورة الجنسية من منظور نسوي /نسائي . لقد لعبت الكتابات الايروتيكية النسائية دورا ثلاثي الأبعاد، فمن ناحية استولت الكتابات النسائية على الخطاب الرسمي الذكوري الذي احتكره الذكر لفترة طويلة، وبمعنى آخر أصبحت المرأة فاعلة وليست شيئا في الخطاب الايروتيكي، ومن ناحية أخرى امتلكت المرأة جزءا من السيطرة والسلطة التي كانت متضمنة في خطاب ذكوري التوجه وعلى هذا الأساس استعادت ممارسة النساء للسلطة ضمن المجتمع البطريركي شرعيتها مرة أخرى .

    وعلى الرغم من ذلك نظرت ناشطات نسويات الى الايروتيكية نظرة عدائية بوصفها تتوسط نوعين أدبيين مهينين للمرأة : الرومانسية والأدب الإباحي، اللذان يميلان الى تصوير النشاط الجنسي للمرأة بوصفه سلبيا وخاضعا.

    ان الخط الذي يفصل الرومانسية عن الايروتيكية، والايروتيكية عن الأدب الإباحي خطا رفيعا قد يصعب الحفاظ عليه .فضلا عن ان وضع تعريف مطلق لأي من هذه المصطلحات قد لا يكون أمرا سهلا؛ لان الحدود والتخوم بين هذه المناطق الثلاث غالبا ما تتداخل .

    ان تصنيفنا لأي فن أو أدب بوصفه ايروتيكي او اباحي يعتمد على عوامل عديدة، ويتضمن التوجهات الثقافية السائدة . ففي مقالتها الشهيرة بعنوان (اختلاف واضح حاضر) وضعت غلوريا شتاينيم ما عدّه الكثيرون فروقا جوهرية بين الأدب الإباحي والايروتيكي . إذ عادة ما يكون الأدب الإباحي نمطا خاصا من السرد او إنتاج الصور التي تشيّئ وتسلّع جسد المرأة . انه طريقة خاصة لأسلبة الجنس . كما يلعب الاحتفاء بجسد المرأة دورا في تميز الأدب الإباحي عن الكتابات والصور المرئية التي تعرض الجنس صراحة. ان حالة النص الإباحية لا تعتمد على النشاطات الجنسية التي يتم تناولها بقدر اعتمادها على طريقة تناول ووصف وقراءة هذه النشاطات، إذ كلما ازدادت صراحة وبذاءة وبلادة اللغة الموظفة كلما مال النص الى الإباحية وابتعد عن الايروتيكية. وكلما كان وصف الفعل الجنسي بلغة رومانسية، تلطيفية وشعرية كان اقرب الى الايروتيكية . وقد لاحظت الكاتبة في مقالتها ان كلمة الأدب الإباحيpornography وكلمة البغاء prostitution تشتركان في الجذر الاشتقاقي نفسه وبالتالي فان هذا المفهوم يعزز ثيمة المرأة بوصفها شيئا مستغلا قابلا للتصرف خاضعا للعبودية فيما تعني الايروتيكية اللذة المشتركة (2).

    ينطلق الأدب الإباحي من منطلق ان الجنس إثم، و قذارة و مرض، وممارسة سرية ومعيبة ويهدف الى الإثارة ويشق طريقة مترنحا وسط الريبة القديمة التي تحيط بالنشاط الجنسي، لذا فان الإشباع الذي يمنحه عادة ما يكون مشبوبا بالشعور بالخطيئة وتحطيم القواعد . وفي حين تحتفي الايروتيكية بالمتعة الحسية والمشاركة والمساواة فان الإباحية على النقيض منها تصور علاقة الهيمنة الذكورية والخضوع الأنثوي حين تكون الأنثى ضحية عاجزة والرجل مضطهدا معذبا مستمتعا بمشاهدة عريها وخضوعها . تصون الكتابة الايروتيكية الحياة الداخلية والفردانية للرجال والنساء فيما يميل الأدب الإباحي الى طمسها . وتطوق الايروتيكية الرغبة من بداياتها حتى إشباعها. إنها تتّبع انفصال الفرد المضطرب البطيء عن حياته الاجتماعية عبر انحلال الفوارق الدقيقة الاجتماعية والنفسية التي تشكل الفردانية. فيما تختزل الكتابات الإباحية الهوية في الآثار المترتبة على الرغبة، إذ أنها تطبّع الجنس اجتماعيا بالطريقة التي تطبّع بها الأنظمة الاستبدادية المجتمع في طقوس رتيبة، تتكشف على طول خطوط قاسية، تشتمل على (وصف ما يكون بين الفاسق والقارح والبغي المتمرسة الوقحة وصفا واقعيا، لا خيال فيه، لأن صاحبه ليس بالأديب واسع الخيال)(3).


    وظفت الناشطات النسويات الغربيات الكتابة الايروتيكية في صراعهن من اجل نيل حقوقهن ونقد المجتمع . لقد كان الإطار المرجعي الثقافي سياسيا إذ أصبحت ثيمة الجنس المسيّس سائدة منذ ستينيات القرن الماضي، ومن ثم فان الأدب الايروتيكي النسائي لم ينحصر في كلمات او توصيف جنسي ضمن عمل إبداعي، بل انه الأدب المجترح مباشرة من أجل الجنس بوصفه المحور والأساس، والذي يسعى إلى تحقيق غايات مرتبطة بالحق في امتلاك المرأة لجسدها وحقها في الحصول على متعة حسية تشاركية .

    لم تكن الكتابة الايروتيكية النسائية (وأؤكد على ان ما اعنيه هنا هو كتابات المرأة الايروتيكية وليس تصنيف الأدب الى أنثوي أو ذكوري) هي الظاهرة الوحيدة التي اعتمدناها في تقليد الغرب بعد نزعها من سياقها الحضاري والثقافي والاجتماعي والسياسي والفكري . إذ ان تفشي هذه الكتابات في الدول العربية تحديدا في العقد الأخير لم يرتبط بحركة أدبية او ثقافية او اجتماعية هادفة . كما لم تسجل النسوية العربية ـ إن جاز التعبير ـ انجازات هامة على الصعيد الفكري او الاجتماعي او الثقافي او الأسري، فما زالت النساء في المشرق العربي يرزحن تحت نير الذكورية المستبدة والأنظمة البطريركية، ويعانين من مشاكل أساسية تتعلق بالحقوق الإنسانية الأساسية كالحق في التعليم، والرعاية الصحية، وتكافؤ الفرص، وحرية الاختيار، والتعبير والمشاركة السياسية الفاعلة، وتفشي العنف ضد الإناث، كما أن المجتمع العربي ما زال يعيش ازدواجية على أكثر من صعيد وصراع ثنائيات لا يبدو انه قادر على حسمها في المنظور القريب. وعلى الرغم من ذلك فقد اتجهت الكاتبات الى الكتابة الايروتيكية وربما الإباحية أيضا بصورة اعتباطية ومتفشية في الآن نفسه حتى أصبحت ظاهرة تستدعي المتابعة والدراسة المعمقة لأسباب ظهورها وسرعة تفشيها في غير سياقها الحضاري والثقافي والاجتماعي والنفسي والسياسي.

    وحسب المفاهيم الفنية للإبداع فإن الكتابة عن الجسد وللجسد وعبر الجسد وفوق الجسد كما يحلو لممارسي هذا الفن تسميته ليست مشكلة بحد ذاتها، ولا تندرج ضمن المحرمات الدينية أو المعيبات الأخلاقية إذا ما وظفت لخدمة هذا الإبداع أو الكشف عن مستور بهدف معالجته ومتابعته او في إطار سياق يلائم الواقع العربي ويلتصق به . فالايروتيكية فن راق اشتغل عليه الكثيرون منذ أقدم العصور ولم يتقنه إلا القليل من المبدعين أو المبدعات في الفن والأدب.

    إن ما تطرحه هذه الورقة البحثية هو دراسة أسباب وتداعيات الظاهرة التي تفشت بصورة دراماتيكية في أوائل التسعينيات تقريبا، وتزامنت مع أحداث وتغيرات اجتماعية وسياسية واقتصادية راديكالية، لا سيما في المنطقة العربية. ولا أقول أنني سأدرس علاقة الظاهرة بالأحداث والمتغيرات بقدر ما سأحاول إلقاء الضوء على بعض جوانب هذه الظاهرة على النحو التالي :

    1.انفجارها في مجتمعات ترى أن أي نزعة تحررية نسائية هي رديف للرذيلة. فعلى سبيل المثال أن رواية رجاء الصانع "بنات الرياض" ورواية صبا الحرز "الآخرون" ووردة عبد الملك "الأوبة" جاءت من العربية السعودية ـ ومن المفارقات ذات الدلالة ان هوية الكاتبتين الجنسية لا زالت موضع جدال !!ـ. و من الأردن جاءت رواية "خارج الجسد" لعفاف البطاينة و رواية "مرافئ الوهم" لليلى الأطرش و رواية القاصة حزامة حبايب "أصل الهوى . و في الكويت نجد "صمت الفراشات" للكاتبة ليلى العثمان وفي العراق عالية ممدوح في روايتها "الغلامة" و "المحبوبات فضلا عن الجزائر والمغرب وسوريا ولبنان ومصر والأسئلة الذي تنهض منها دراستنا في هذا المحور تحديدا هي: هل أن ما نشهده من كتابات نسائية هي كتابات ايروتيكية أو إباحية أم أنها تداعيات مبتذلة لكبت جنسي؟ وإذا قلنا أننا نعيش في مرحلة ما بعد الفرويدية وان الثورة الجنسية حدت من ظاهرة الكبت الجنسي فهل هي وسيلة للشهرة او رد فعل على التهميش والإقصاء الذي تعاني منه المرأة في هذه المجتمعات؟.

    2.لم يقتصر انفجار الظاهرة على النصوص الروائية أو الشعرية أو القصصية القصيرة وغيرها، وإنما رافقه انفجار مماثل في السينما فمن أفلام إيناس الدغيدي المصرية ومواطنتيها ساندرا نشأت وكاملة أبو ذكري الى مي المصري اللبنانية وهيفاء المنصور السعودية وغيرهن ..... فضلا عن ظاهرة الفيديو كليب والفضائيات التي تروج للعروض الإباحية خارج أي سياق ثقافي او حضاري عدا الرغبة المحمومة في نشر هذا النوع من العروض على أوسع نطاق وإدخاله الى كل بيت، ومع علمنا بالتكاليف المادية الضخمة التي يحتاجها إنتاج مثل هذه الأعمال وتسويقها، فإننا نطرح سؤالا حقيقيا عن مصادر تمويلها وعلاقتها الحقيقة بحاجات المواطن العربي المقموع والمكبوت ليس جنسيا فحسب، وإنما سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ونفسيا وحضاريا .؟


    3.في محاولتهم إيجاد شرعية للكتابات الايروتيكية، تشدد كاتبات هذه الظاهرة ومناصريها من الذكور على وجود الايروتيكية في التراث العربي الأدبي والتاريخي والديني منذ قرون بعيدة ويدللون على ما يذهبون إليه بوجود كتب قديمة وحديثة تنضح الإيروتيكية وأخبار الجنس وطرق ممارسته مثل : " ألف ليلة وليلة " و " الأغاني " للأصفهاني و " رشد اللبيب في معاشرة الحبيب " المنسوب لابن فليتة و " الروض العاطر في نزهة الخاطر " للنفزاوى و " تنوير الوقاع في أسرار الجماع " للنفزاوى و" رجوع الشيخ إلى صباه في القوة على الباه " لابن كمال باشا وغيرها وعلى الرغم من صحة ما يذهبون إليه إلا ان عزو انفجار الكتابات الايروتيكية النسائية في هذه المرحلة الى وجود تراث عربي ايروتيكي ذكوري لا يعتبر تفسيرا لهذه الظاهرة فمن ناحية نجد ان هذا التراث في اغلبه الأعم ذكوري التوجه يعزز الهيمنة الذكورية وشيئية المرأة فضلا عن انه لا يعد أدبا بالمعنى المتفق عليه قديما او حديثا، إذا ما استثنينا ألف ليلة وليلة وطوق الحمامة في الإلف والإيلاف، فهي لا تتجاوز كونها كتابات جنسية شعبية، ومن ناحية أخرى يدلل على عجز هؤلاء عن ربط الظاهرة بالواقع العربي الاجتماعي والثقافي المعاصر في الوقت الذي تعلو فيه الأصوات للتخفف من عبئ التراث وذكوريته وتخلفه ومراجعة تاريخهم ليكون تاريخهن !! .

    4.تتسم اغلب الأعمال المطروحة ضمن هذه الظاهرة بالسطحية والضحالة الفكرية والثقافية فضلا عن الفقر الإبداعي والخيالي وضعف الأسلوب وركاكة اللغة مما يجعلنا نشكك في نسبتها الى الأدب والإبداع أصلا ونعتقد ان كاتباتها اتخذن من الايروتيكية او الإباحية الورقية موضوعا للشهرة ولولوج عالم الأدب من أسهل أبوابه.

    5.تجاوزت الكتابات النسوية المعاصرة ضمن هذه الظاهرة كل الحدود في تناول الموضوع الجنسي، بما في ذلك او فوق كل ذلك التناول الصريح للعلاقة “المثلية” ليس فقط بوصفها ظاهرة منتشرة في مجتمعات مغلقة فحسب، وإنما الإسهاب في وصف الممارسة الجنسية المثلية بوصفها أمرا طبيعيا لا غبار عليه اجتماعيا او دينيا او صحيا. ولعل من المفيد الإشارة هنا الى الموجة الثالثة من النسوية الغربية التي راجت في بدايات التسعينيات، والتي هدفت الى توسيع مفاهيم النوع الاجتماعي والجنسي وهاجمت بشكل مكثف مؤسسة الأسرة باعتبارها مؤسسة قمع وقهر للمرأة، ونادت بالارتباط الحر والحرية الجنسية بل تجاوز الأمر إلى الدعوة إلى الشذوذ الجنسي بوصفه شكلاً ملائمًا محتملاً للخروج من سيطرة الرجل/ العدو وامتلأت الأدبيات المرتبطة بهذه الموجة بقصص وروايات كانت بطلاتها او كاتباتها (اودر لورد وبيري روزي) او كليهما، مثليات. الأمر الذي قد يسهم في تعزيز فكرة ان الأمر برمته تقليد أعمى دون أي تداعيات فكرية او ثقافية.

    6.همش النقد العربي إبداعات المرأة وقلل من قيمتها وفي أحسن الأحول تعامل معها بدونية حين قارنها بإبداعات الرجل بوصفه مقياسا لكل إبداع وقد كتبت نساء عربيات إبداعات تناولن فيها الجسد ضمن اشتغالات فنية وسردية إبداعية، وكان البوح والجسد فيها موظفا لخدمة الإبداع إلا أنهن لم يحظين بما حظيت به كاتبات اليوم اللواتي حولهن الإعلام الذكوري الى نجمات بين عشية وضحاها يقدن الثقافة العربية يحظين بالجوائز والتكريم ـ و ربما يطمحن الى نيل جائزة نوبل المعروفة باتجاهاتها ـ وأصبحن وجوها مألوفة على الشاشات والمواقع الاليكترونية والصحف الورقية يثرثرن في كل المواضيع ويتجاوزن حدود المعقول والمقبول والمتفق عليه فطريا وإنسانيا حتى ان المنافسة بينهن في هذا المجال لم تعد الإبداع وإنما الجرأة والتطاول على كل محرم ومقدس وفطري وإنساني .

    7.عندما تطاولت بعض الكاتبات على كل مقدس لم يكن بالضرورة ضد حقوقهن ومطالبهن العادلة، بل وفرن بذلك فرصة ثمينة لأعدائهن الذكورـ ان جاز التعبيرـ للانقضاض على النساء ووصفهن بأقذع الأوصاف وبأنهن أساس كل بلاء وفجور ونددوا بانفصالهن عن قضايا الأمة ودعوتهن الى التحلل من كل التزام في وقت تكالب فيه أعداء الأمة عليها . وبودي أن أوضح أنني لست مع تأجيل معركة النضال الاجتماعي لأنها ليست أولوية بالنسبة للاحتلال مثلا ـ الأمر الذي دفعت النساء الفلسطينيات على سبيل المثال ثمنه طويلا ـ ولكن الأمر لا يتعلق بنضال اجتماعي او دعوة للعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بقدر ما يتعلق بموضوع الحرية المطلقة وتحديدا حرية منح الجسد والمتع الحسية للمرأة بلا قيد او شرط الأمر الذي يهدد المجتمع بأسره وينذر بمواجهة لا تحمد عقباها ربما تخسر النساء فيها كل ما أنجزنه على مدى عقود. هذا إذا كنا قد أنجزنا شيئا يذكر في ظل إحصائيات التنمية المرعبة في القضايا التي تخص الإناث تحديدا كالفقر والصحة والتعليم والوظائف والحق في التنمية وغيرها . لقد ساهمن بهذه الطريقة في المزيد من النظرة الدونية للمرأة التي لا ترى فيها إلا جسدا ووعاء لشهوات الرجل حين عرضن أجسادهن وأجساد بطلات قصصهن بوصفهن طالبات متع حسية بعيدا عن الروح والعقل وخارج أي سياق اجتماعي وثقافي وسياسي.
    وقد أوضحت سابقا توظيف النسوية للايروتيكية وأود أن اختم هذه الورقة البحثية هنا بالإشارة إلى جوانب أخرى وظفتها النسويات المبدعات في العالم في إطار بحثهن الدءوب عن طرق ووسائل لتغير أوضاعهن وامتلاك أصواتهن وحقهن في تقرير مصيرهن في القضايا الحيوية والإنسانية .


    لقد منحت مظلة ما بعد الحداثة الكاتبات الحرية في توظيف تشظيات ما بعد الحداثة ببراعة وذكاء مذهل، ورغبة صاعقة في تحدي النظم الإيديولوجية لما يعرف بالأمر الواقع . فمثلا في رواية "امرأة على حافة الزمن" ، تأخذ كاتبتها "مارج بيرسي" رواية الخيال العلمي التقليدية، وتبرز الأنثى البطلة والرجل النمطي . الشخصيات الذكورية حمقاء، خطيرة وشريرة. إنهم يؤيدون البارادايم المؤسساتي الخانق متسببين في الموت الروحي للبطلة، كونسويلو - الملقبة كوني. تركز بيرسي على نظم إسكات المرأة وتعطي لبطلتها صوتا للتمرد على تلك النظم .كما هناك مظهر آخر للنسوية يركز على ذكاء المرأة (البطلة) .
    لقد انتقص قدر المرأة عبر التاريخ بوصفها خادمة للرجل، أو مما ملكت يده، أو حصان الأشغال الشاقة كما في رواية مارك توين أو مستغلة جنسيا بوصفها عاهرة كما في رواية نورمان ميللر الأجساد العارية والموتى.

    صورت مارغريت أوتوود هذا العالم القارص في رواية "حكاية وصيفة" و أنتجت بطلة نسوية، عرفت فقط باسم اوفرد، وهي ذكية وجريئة، قاسية، وبارعة . وظفت منصبها الصغير للتنقل بين عوالم الصمت والاغتصاب والجريمة والقوانين والسلوك من اجل فك رموز النظام ثم ....الهرب في نهاية المطاف .

    وكما يشدد كتّاب ما وراء القص على تهديم قداسة القواعد المقبولة للشكل واللغة، فان النسوية الأدبية تعيد هيكلة نظم عفا عليها الزمن وتناضل من أجل المساواة، والتنقيب عن نظم لغوية أيضا تتشظى بعيدا عن الافتراضات المعرفية .

    وضعت "انجلينا كارتر" نسخة جديدة عن الحكايات الخرافية حين قذفت بشخصياتها إلى القرن العشرين لكنها أبقت على ملامح كافية من الشخصية التاريخية لتبرز الدوافع الأصلية لهذه الشخصيات .أثارت مجموعتها الأولى عن " الخرافات مشروخة" والتي تحمل عنوان " المخدع الدموي" (1979) الاهتمام عندما سلطت الضوء على الطبيعة الايروتيكية لتلك الحكايات القديمة .
    تدعم هذه الكتابات نسويتها، كما تدعم محاكمتها لمجتمع يميز الجميل ويعاقب القبيح . إنها أيضا تعرض رغبتها في استبدال البطلات المائعات البلهاوات بأخريات قويات وذكيات .
    ترسم كارتر شخصيات بطلاتها القويات لينبذن " الصورة النمطية الثقافية للأنثى، خصوصا تلك البريئة، المسالمة، الفارغة العقل والمثيرة، لصالح شخصيات نسوية تتميز بالحسم والجسارة الجنسية . وتتعامل مع الخرافات بوصفها ذكورية النظرة، إذ أنها ابتدعت في زمن الهيمنة الذكورية والسلطة البطريركية والنظرة الأبوية حين كانت المرأة تجهز لانتظار الأمير المخلّص. نادرا ما منحت الأنثى سيطرة على ممتلكاتها أو صوتا أو سلطة لاتخاذ قرار أو خيار. من هنا جاءت أهمية كتابات كارتر، إنها تعامل بطلاتها كأشياء حتى تحين الفرصة، عندها تمنحهن قوة لبلوغ الكمال ولاتخاذ القرار ولتحطيم الخرافات الخرقاء ذات النظرة الشوفينية عن المرأة المثالية : جميلة، عذراء، سعيدة، ضعيفة، ساحرة، هادئة أو حتى نائمة (4).

    فضلا عن الاستنتاجات السابقة بودي الإشارة إلى أن كل نضال يحتاج الى إبداع حقيقي فضلا عن الإرادة وشحذ الهمم، وتحديد الهدف، ودراسة الواقع والظروف والتخطيط الدقيق والتكامل، وتوظيف الطاقات، والتكنولوجيا، وعدم الاستسهال والانسياق وراء مغريات الشهرة، ومتطلبات الذكورة. هذا إذا كان للكاتبات قضية حقيقية ينافحن لأجلها و يسعين لتحقيق أهدافهن وأهداف النساء اللواتي ينشدن مجرد الحماية في كثير من المناطق في عالمنا العربي الذي تُنحر فيه الإنسانية من الوريد الى الوريد .



    أماني أبو رحمة
    كاتبة ومترجمة وباحثة نفسية


    .....................

    هوامش :

    (1) Introduction to Modern Literary Theory: Literary Trends and Influence، Dr. Kristi Siegel
    (2) Steinem، Gloria. "Erotica and Pornography: A Clear and Present Difference"، Ms (November 1978)، 77-80.
    (3) الشيخ علي الطنطاوي، مجلة الرسالة القاهرية، مارس 1946م
    (4) ينظر التجريب في الأدب: يقظة من الافتتنان دراسة في ما بعد الحداثة،شاون فايدمار من كتاب جماليات ما وراء القص. دراسات نقدية ترجمة أماني أبو رحمة، تحت الطبع .







  • تروي كتب الأدب (1) أن الأميرة الأندلسية القرطبية ملهمة ابن زيدون؛ ولادةَ بنت المستكفي بالله، كانت على طيب عرقها، وفخامة منبتها، ذات فتنة صارخة، وأنوثة طاغية، وموهبة شعرية نادرة، قوية الإحساس بكيانها، شديدة الزهو بملكاتها، تمتّع بسلطة قد نفذ أمرها بعيداً في قلوب وعقول من أحاط بها من الأمراء والشعراء. وكانت تبدّى لأعين الرجال في (صالونها) الأدبي الأنيق دون حجاب يغطي جمالها الشهيِّ، أو خمار يحجب نور وجهها البهي، وهي كالفراشة بينهم، تختال بزينة وثوب من حرير قد طرّزت "على عاتقيه" بيتين من شعر لها على وزن الوافر الرشيق باتا على كل شفة ولسان حتى يومنا هذا :

    أنا واللهِ أصـــلحُ للمعــــــــــالي وأمشي مشيتي وأتيهُ تيها
    وأُمْكنُ عاشقي من صحنِ خدِّي وأعطي قبلتي مَنْ يشتهيها (2)

    وكانت جريئة في القول والسلوك، تجهر بمكنوناتها ولذاتها، وتصور مغامراتها الليلية مع عشيقها ابن زيدون بأسلوب يحاكي أساليب الرجال :

    ترقَّبْ إذا جُنَّ الظلامُ زيارتي فإنِّي رأيتُ الليلَ أكتمَ للسرِّ
    وبي منكَ ما لو كان بالشمسِ لم تلُحْ وبالبدرِ لم يطلُعْ وبالنجمِ لم يسرِ


    فلذلك عدَّها الدارسون حالة استثنائية مفاجئة في الثقافة العربية لم تشهدها هذه الثقافة قط إلا بعد ذلك بقرون؛ في بداية الألفية الثالثة أو قبلها بأعوام. بل بينهم من أنكر وجودها قاطبة وزعم أنها حكاية من نسج خيال الرواة؛ لما فيها من تجاوز عن الصورة النمطية للمرأة المسلمة. وهي تمثل حالة من العصيان تمردت فيها الأنثى على سلطة القيم الذكورية التي لا تبيح لها أن تنطلق منطلقاً حراً في فضاء البوح الصريح عن اختلاجات الجسد برغائبه وأشواقه.

    بيد أنهم لم يهملوها، ولم يشيحوا عن العناية بشعرها على قلته، ولم يملوا البحث عن العوامل الاجتماعية والنفسية التي كان لها فضل في بناء شخصيتها، وتكوين ملامحها الفنية المتفردة؛ إذ أضحت ولادة في ذاكرة الأجيال رمزاً لحرية تذوقت نعماها امرأةٌ عربية قبل قرون.

    وما كان لظاهرة ولادة الاستثنائية هذه، أن تقفز فوق الزمن؛ فتصبح مدرسة تخرِّج أديبات يحتذينها – وإن يذكر مؤرخو الأدب أسماء نساء جارينها كمحظيتها مهجة القرطبية - فللزمن أحكامه وشروطه الصارمة. كان ينبغي الانتظار قروناً طويلة كي تشهد الثقافة العربية ولادة جيل جديد من النساء سيتمكّنَّ بفضل منطق التطور، وتبدل الأحوال، والتأثر بآداب الأمم الغربية ونهضتها، من أن يملأن صفحة متقدمة - لولا ظاهرة ولاَّدة لقيل فارغة - من صفحات الأدب العربي، اصطُلح على تسميتها (بالإباحية) التي تعني التعبير عن العلاقة الجنسية بلفظ صريح اطرح الكناية، وبتفصيل وتدقيق لا يحابيان ذوق المتحفظين، ولا يحتاطان لأنفسهما من غضبة الكهوفيين (3).

    ففي قصيدة سوسن السوداني (أعشقك كما أنتَ) على سبيل المثال، من التصريح ما لو وقف عليه ناقد أو قارئ كهوفي، لحكم على القصيدة دون تردد بأنها خليعة العذار، قد ألقت عنها رداء الوزن والكبت، وتزيّت بدوال من ضراوة الشبق وشهوة الوصال، ما أبيح منها وما لم يبح (4) :


    بربرياً
    تضرم نيرانك حولي
    تغزوني
    تغدق بوجع العشق
    وتمطر شامخا
    فوق صحرائي
    سأكون غمدا لسيفك
    وفرسا تصهل نشوة
    أريد الحياة
    أرتعش
    مبتهجة أنا
    وسط غابات الرجال
    أتحرر من قيودي واضطراباتي
    وأنتقي ما أريد
    سألهو بغاباتكم
    وأقتلع زهوركم
    وأمتطي صهواتكم
    سأكون فارستكم هذه المرة
    تحت ضوء القمر
    سأعريكم

    ضرام، غزو، مطر، صحراء، غمد وسيف، صهيل فرس، رعشة، غابات رجال، فارسة تمتطي صهوات الرجال، بهجة، تحرر واختيار، عريٌ، رغبة صاخبة في الحياة... هي المشاهد التي تلفح القارئ هنا، كأنما نسجتها الشاعرة من خيوط من نار. منها ما هو مألوف كثير التداول في أدب الرجال: كالضرام، والعري، والغزو، والغمد والسيف - وهذه الأخيرة صورة مادية مكرورة معروفة في الأدب القديم كصورة المرود والمكحلة، وقد استخدمها أدونيس في حداثته ولكن في معنى آخر مدح به دولة الرئيس شكري القوتلي إذ قال: فأنتَ لنا السيفُ ونحن لكَ الغمدُ - ومنها ما هو بديع مستحدث: كغابات الرجال؛ التي ترسم في الخيال صورة الجذوع المنتصبة، وتحدّث في همس عن رغبة مستترة للمرأة في تعدد الرجال لم يفلح القهر في استئصالها، وكالتحرر من زواجر العفة، وكصورة المطر يدفق فيطفئ حَرَّ الصحراء، أو قل – إن كنت من أهل الجهر -: حرَ عاشقة برّح به الظمأ، وكالنسبة إلى البرابرة وهي صورة تحيل إلى قوة الباه والعنف فيه، إن صح الفهم.


    ولكنّ الصور التقليدية، إن تعمّدت بطيب أنفاس الأنثى ورحيق لهاثها المسكر، أشرقت جدة، وطرافة، وبهجة، حتى لا يكاد المرء يحس بما آلت إليه من الإنهاك والشعث في سيرها عبر مراحل الزمن الوئيد.
    وفي (برهان العسل) لسلوى النعيمي سرد يصطخب بمتاع الجسد، جريء كأشد ما تكون الجرأة، يشف عن مواطن اللذة على أشكالها؛ سرد له وهج ربما أهاج غريزة القارئ النوعية فانتصبت، أو استفز نهد قارئة غافياً من مخابئه فهبَّ من غفوته :

    "كان يعانقني خلف الباب المغلق عناق الوداع ولا نستطيع فراقاً.
    يقبلني ويقبلني، ولا أستطيع فراقاً، وأركع أمامه وأنحني أفرك رأسي عليه وأريده أن يملأ
    فمي وأكاد أختنق لهفة، وينتشر وأمتص شرهة حتى آخر قطرة وأرفع عيني إليه لأرى
    وجهه المعذب باللذة يتشنج مرمياً إلى الوراء ويداه على شعري. الآن فقط يمكنني أن
    أعود العالم مضيئة بطعمه في فمي ثقيلاً أبيضَ حلواً يتضوع برائحة الكافور..."

    "عندما استخدم المفكر يوماً كلمة فرنسية، سألته عن ترجمتها العربية :
    - استعمال (لاط، يلوط) شائع حتى في الدارجة. لماذا تسألين ؟
    - لا أعرف أجد الكلمة مناسبة للرجال، ولكنني أريد أن أخترع كلمة جديدة عندما يتعلق الأمر بالنساء ما رأيك أن أصرف فعلاً من الاسم (سدم) من (سدوم) كما في الفرنسية. هكذا نميز بين الحالتين
    - التمييز واضح كما تعرفين، ولا حاجة بنا إلى اختراعاتك اللغوية.
    - اسمع، جدياً، كما نقول: ضرب عمرو زيداً، سنقول: سدم زيد هنداً. ما رأيك؟ ننتقم له بهذه اللذة بعد أن شبع ضرباً في كتب اللغة.
    - فكرة.

    يقترب من السرير، أنبطح على بطني رافعة ظهري معتمدة على ذراعي، هو خلفي ولا أراه، تمرُّ كفاه بإصرار ترسمان حدودي من الكتفين إلى الفخذين لتستقرا على مؤخرتي، يشدني إليه، ألتصق به أكثر كي أمتلأ به أكثر، أدفن وجهي في الوسادة لأخنق همهمات لذتي المتوحدة مع حركاتنا وكلماتنا. كنت أعرف أنّ "الجماع أفحشه ألذه"، ومع ذلك كنت أحاول أن أكتم حتى أنيني. ".
    وتنزاح السجف في المشهد التالي من رواية (اكتشاف الشهوة) لفضيلة الفاروق، عن امرأة تحتدم الشهوة في دمائها من مداعبات العشيق، قبل أن تنصهر في أتُّونه:
    "لم يعد بإمكاني التماسك واقفة، فعانقته، ولكن يديه تراقصتا حولي، فكّتا حمالة الصدر، فتحرر نهداي وصار بودي أن أبحث عن صدره العاري، أن أصطدم به، أن أتحول إلى لبوءة شبقة، أن أنصهر تحت ثقله، أن أتوحد معه، أن أصرخ وهو يخترقني أن ألهث من المتعة، أن تتقاطع أصواتنا عند الرعشة وننتهي مبعثرين الواحد فوق الآخر، كان بودي... ويداه تتسللان إلى الموضع الأكثر دفئاً ولزوجة، أن أكون له وحده أن يضغط على نهدي أكثر أن يؤلمني قليلاً ما بين الفخذين..."
    وفي (التشهي) لعالية ممدوح امرأة أخرى أشد نهماً إلى شريكها من الحيوان في " أيام هوسه ووصاله" :
    "هي أهدأ مني لكني كنت أشعر أنها الأعنف، فالرغبة لديها تبدأ تدريجيا والوصول إلى الذروة يتم علي خط يكاد يكون شاقولياً. لم أرتبك وهي تقلبني علي ظهري وتبدأ بلحس المني فيختفي كل شيء داخل الفم وبين الشفتين فتئن كالحيوان في أيام هوسه ووصاله"

    وفي رواية (نساء عند خط الاستواء) تقترف بطلة زينب حفني تجربة المثلية المحرمة :


    " لاحظت مها شيئاً غريباً يتسرب لجو الحفلة، الأنوار خفتت، العيون أخذت توزع إشارات مبهمة ذات مغزى، في آخر القاعة التصقت كل اثنتين في أوضاع مثيرة، أفاقت من ذهولها على صوت صاحبة القصر: "هل أنت مسرورة؟؟" لم تعلق مها، ضغطت صاحبة القصر بيدها على يد مها، سحبت مها يدها، كررت المحاولة بالضغط على فخذها بأصبعها كأن (ماسا) كهربائيا ألهب جسدها، رفع حرارة انفعالها، أحست بالبلل، قامت مسرعة، لحقتها صاحبة القصر قائلة بدلال: "هل ضايقتك؟؟" تحاشت مها نظراتها النارية، أبدت رغبتها في الانصراف، رفضت صاحبة القصر طلبها بحجة أن الحفل مازال يحمل الكثير من المفاجآت، دعتها للفرجة على أنحاء القصر، وهي ممسكة بيدها، وكلما حاولت مها سحبها، ضغطت عليها صاحبة القصر أكثر، ساقتها لغرفة نومها، أذهلت مها فخامتها، شدتها صاحبة القصر بجانبها على الأريكة قائلة لها: "تعالي بجانبي..كلتانا مجروحتان.. جربي عالم النساء ستجدين أنه أروع كثيراً من عالم الرجال.

    وقد سبق للروائية إلهام منصور أن طرقت (المثلية) وحكت عنها بإسهاب وفصاحة وواقعية مدهشة؛ سردتها بلغة سهلة لا تكاد أحياناً ترقى عن لغة العوام إلا درجة أو اثنتين، عبر تجارب جنسية مثيرة في أعمالها الأدبية، ولا سيما في روايتها (أنا هي أنتِ) حتى خيِّل للناس لشدة إثخانها في موضوعها، واستغراقها فيه أنها تساحق حقيقة مثل شخصيات رواياتها. ولعل تخصصها في الفلسفة، أن يكون وجّه عنايتها إلى معالجة هذه القضية في محاولة طموحة أرادت إلى الإجابة عن السؤال الصعب: لماذا المثلية! ؟
    ما عسى أن تكون غاية الطبيعة من زرع هذا الميل العجيب في دم الإنسان ؟ :
    " طوقت ميمي خصر سهام بذراعها وخرجتا إلى الشرفة وبدأتا بالشرب. حين أغربت الدنيا سمع صوت بعض الانفجارات البعيدة، فدخلتا إلى الصالون، كان المشروب قد بدأ تأثيره عليهما، تعانقتا وبدأت الشهوة تأكل جسديهما...
    وأخذت تداعب جسد ميمي من تحت فستانها بطريقة مثيرة للغاية وهي كانت تتجاوب وتداعب جسد [صديقتها] بالطريقة ذاتها إلى أن انتشتا وأشبعتا جسديهما الملتهبين".
    فلم يكن إلا متوقعاً أن ترتفع صرخات الاحتجاج والسخط والتسفيه والإنكار في العالم العربي؛ من غير قليل من المنتقدين ومن القارئين إزاء هذه المشاهد الصريحة غير المألوفة في أدب النساء. وكانت هذه الصرخات قوية مدوية، أين منها تلك الهمسات العاتبة برقة، أو ذاك اللغط الخافت يحركه عند القدماء تمردُ ولاّدة على التقاليد!.

    وقد عرض حميد طولست مواقف "المهتمين" بهذا الأدب، وذكر آراءهم في مقالة تناولت هذا الموضوع بإيجاز(5)، فقال :

    "يرى بعض المهتمين، أنه "أدب ترفيهي مكشوف، وسرد شهرزادي خاص بغرف النوم"، وينظر إليه في الخطابات الشعبية على أنه معرفة محرمة اقترنت بالفضيحة والهامش، وكتابة مثيرة للغرائز وباعثة على ممارسة العادة السرية وارتكاب الفاحشة وممارسة الرذيلة وانتشار الزنا واللواط" ، وهو عند البعض الآخر أدب رفيع من حيث مكوناته البنيوية، ومن حيث موضوعاته فهو أدب مدنس".

    وعرضت له أيضاً أماني أبو رحمة، ولكنَّ عرضها له لم يكد يخرج عن هذا النسق من النقد. إنه نقد يعلن بهبوط المستوى الفكري لهذا الأدب أكثرِه، وبضعف "مكوناته البنيوية" (6) :

    " تتسم أغلب الأعمال المطروحة ضمن هذه الظاهرة بالسطحية والضحالة الفكرية والثقافية فضلا عن الفقر الإبداعي والخيالي وضعف الأسلوب وركاكة اللغة مما يجعلنا نشكك في نسبتها الى الأدب والإبداع أصلا." ونعتقد ان كاتباتها اتخذن من الايروتيكية او الإباحية الورقية موضوعا للشهرة وولولوج عالم الأدب من أسهل أبوابه".()

    وكما انشغل الدارسون بظاهرة ولادة، وجدّوا في البحث عن عوامل ظهورها، سينشغل الدارسون المحدثون بظاهرة الأدب النسوي الصريح أيضاً، ويجدّون في البحث عن علل نشوئها.
    ففي (الأفعى والتفاحة) يتساءل ثائر العذاري: "لماذا؟ ولماذا الآن؟" (7) ثم لا يلبث حتى يجيب :


    "قد يكون من الصعب أن نجد تفسيرا مقنعا لهذه الظاهرة ولكن يمكننا وضع إشارات أولية قد تكون قريبة من التفسير المقبول. هذه الظاهرة لم تظهر إلا بعد غزو العراق، مما يشجعنا على الربط بين الأمرين، فما حدث أن البلاد تغرق في حرب أهلية طاحنة ومجنونة ، لكن ما يعرفه العراقيون أن عمليات الاغتيال والخطف ، خاصة في المناطق الساخنة ، تعفي النساء وتستهدف الرجال والشباب.
    الشريك اذن هو المستهدف بالقتل ، ومن هنا تجد المرأة نفسها بوصفها القادرة على العطاء والخصب مدفوعة الى تعويض الضحايا ، موضوعة الجنس هي الموضوعة المقابلة والمضادة لموضوعة الحرب. كما كان ذلك هو الحال في الميثولوجيات القديمة".

    بيد أن تفسيره - وإن يكن صحيحاً في ذاته – ليس من السهولة القبول به، أو التعويل عليه في فهم أسباب نشوء هذه الظاهرة الأدبية. فإنّ "موضوعة الجنس" قد يمكن أن تلقى رواجاً في زمن الحرب، من حيث إنها فعل تكاثر جنسي يعوض الضحايا، أو من حيث إنها مرادفة لمعنى اقتناص اللذة في الواقع؛ لخلق حالة من التوازن النفسي في حياة الإنسان الذي أرهقته الحرب بمآسيها. ولكن الحرب لن تكون شرطاً لإنتاج أدب نسوي (إيروسي). ولو كانت الحرب كذلك، لظهر هذا الأدب في الغرب في أثناء الحرب الثانية، أو لشاع في بلدان أنهكتها الحرب مثل أفغانستان.
    زد على ذلك أنّها لم تخرج من العراق حصراً، وإنما خرجت من بلدان عربية أخرى لم تدر فيها رحى الحرب. تقول أماني أبو رحمة (8):

    " انفجارها [الإيروسية] في مجتمعات ترى أن أي نزعة تحررية نسائية هي رديف للرذيلة. فعلى سبيل المثال أن رواية رجاء الصانع “بنات الرياض” ورواية صبا الحرز “الآخرون” ووردة عبد الملك “الأوبة” جاءت من العربية السعودية ـ ومن المفارقات ذات الدلالة ان هوية الكاتبتين الجنسية لا زالت موضع جدال!!ـ. و من الأردن جاءت رواية “خارج الجسد” لعفاف البطاينة و رواية “مرافئ الوهم” لليلى الأطرش و رواية القاصة حزامة حبايب “أصل الهوى . و في الكويت نجد “صمت الفراشات” للكاتبة ليلى العثمان وفي العراق عالية ممدوح في روايتها “الغلامة” و “المحبوبات فضلا عن الجزائر والمغرب وسوريا ولبنان ومصر ".
    ويقول حميد طولست مثل الذي قالته أماني أبو رحمة بهذا الصدد :
    "والغريب في هذه الصحوة النسوية، هو أنها خرجت جلها من البلاد العربية الأكثر محافظة. فقد شهدت السعودية طفرة في الأدب النسوي المتمرد على ثقافة مجتمعها المنغلق، وخطَّت نهجاً في الكتابة الإباحية، وتناول موضوع الجنس، بما في ذلك التناول الصريح للعلاقة "المثلية" أو "السحاقية"، ليس فقط بوصفها ظاهرة منتشرة، إنما أيضاً في الإسهاب في وصف الممارسة الجنسية المثلية، دون أي خوف من ملاحقة المجتمع المحافظ".

    إذاً، فإنَّ حرب العراق لم تكن هي التي أنتجت هذه الظاهرة.
    فإذا لم تكن الحرب هي التي أنتجتها، فما الذي أنتجها؟ ما هي العوامل والظروف التي دعت إليها، وأوجبت ظهورها؟

    في مقالته آنفة الذكر، يرى طولست أن هذه الظاهرة مرتبطة بالظلم الاجتماعي، الذي تقاسيه المرأة العربية في محيطها الخارجي وفي محيط الأسرة، ويرى أنها تعبير عن نزوع إلى تحدٍ يروم تحطيم أغلال" الثالوث المحرم" الذي يرهب المجتمعات العربية ويقمع تطلعاتها نحو الحرية. أضف إلى ذلك أنها مناسبة مؤاتية تثبت فيها المرأة قدرتها "على منافسة الرجل" في مجال الإبداع:

    "فإذا أمعنا النظر في الكتابات النسائية عند المرأة العربية وتجرؤها على تابوهات المقدس والمحرم، نجد أن جلها لم يكن إلا حفرا في خفايا الظلم الذي لحق بها اجتماعياً من قبل الرجل الغارق في الموروث الذكوري ـ زوجاً كان أو أباً أو أخاً ـ، وهتكا لأستار الثالوث المحرم: الدين، الصراع الطبقي، والجنس الذي كان ولازال أكثر التابوهات التي تجرأت عليها المرأة العربية، ليس فقط في الأدب، وإنما في كل الفنون التعبيرية من رسم، وتشكيل، وسينما، وغناء، ورقص. وهنا يجدر القول بأن الشاعرات والكاتبات والروائيات العربيات استطعن بجرأتهن على خوض غمار الكتابة الإيروتيكية أنْ يؤكدنَ قُدرتهن على منافسة الرجل في ساحة الخَلق والإبداع، وتجريدِه منَ هالة التفرد بهما التي طالما تباهى أو تبجح بها".


    وهذا رأي يخالف رأي أماني أبو رحمة التي تعتقد أنّ: " تفشي هذه الكتابات في الدول العربية تحديداً في العقد الأخير لم يرتبط بحركة أدبية أو ثقافية أو اجتماعية هادفة" (9).
    والحقّ أن "الظلم الإجتماعي" - رغم اعتماده أيضاً عاملاً مؤثراً في نشوء هذه الظاهرة من عدد من الأديبات العربيات، مثل: سلوى النعيمي، التي ألمحتْ إليه في مقابلة لها، عندما ألقي إليها بالسؤال التالي:
    "أنت تقيمين في باريس، هل كنت ستكتبين بتلك الطريقة لو كنت مقيمة في دولة عربية؟".

    فكان جوابها :

    "لا أعرف الجواب، ولا أحب "لو". ربما كنت أكتب كتابا أكثر جرأة، فمع الضغط يمكن للفرد أن يثور أكثر. بطبعي أنا شخصية معاندة، ربما كنت كتبت كتابا أكثر جرأة... "
    وفضيلة الفاروق، التي عبرت عن رأي مشابه له في إحدى مقابلاتها التلفزيونية دافعة عن أدبها شبهة الجنس( 10) :" نحن اليوم إن مرِّرنا سطراً عن الجنس لحرقة في قلوبنا ولرفع الظلم عنا نصنّف (كتاب جنس)" - قد لا يكون عاملاً مباشراً في نشوء هذه الظاهرة؛ لأنّ الظلم الاجتماعي بمعناه الواسع، مادة للمعالجة الفنية والأخلاقية عند جميع المبدعين في كل العصور ضمن أطر الكشف والفضح والتنديد والاحتجاج والثوران؛ التي تحدد وظيفة الأدب عامة. ومما يؤيد هذا، أنّ الأدب النسوي (الإيروسي) في الغرب لم ينشأ في خضم الثورة على الظلم الاجتماعي، وإنما نشأ بعد أن ندر الظلم الاجتماعي من حياة المرأة الغربية مع بداية الستينات، عندما انطلقت الثورة الجنسية إثر شيوع أقراص منع الحمل في الاستعمال، وانتشار عوامل حضارية جديدة في البيئة الغربية، وازدياد نشاط المنظمات النسوية فيها تطرفاً وحدَّة.

    ولكنّ "هتك الثالوث المحرم: الدين، الصراع الطبقي [السياسة]، الجنس"، يعدُّ الإطار العام الذي يضم النشاط الأدبي للمرأة العربية، مع أنه لا يكاد يكون عاملاً مستقلاً منفصلاً عن (الظلم الاجتماعي)؛ إذ أن هذه الأقانيم الثلاثة ليست عند التدقيق، إلا المظاهر التي يتألف من اجتماعها وتضافرها المبدأ العام لفلسفة الظلم الاجتماعي: فالدين يظلم المرأة، والشرائع السياسية تظلم المرأة، وغياب الحرية الجنسية ظلم لها بلا امتراء. كما أنه لا يكاد أن يكون نشاطاً مما تنفرد باجتراحه المرأة دون الرجل.

    ومما يجب قوله هنا: إن هذا الثالوث لا تحظى أقانيمه جميعاً بدرجة متساوية من التركيز والعناية في التعامل معها من جانب النساء الأديبات؛ فإن "موضوعة الجنس" لها درجة أعلى من حيث الاهتمام والعناية والتركيز من درجة السياسة ودرجة الدين - وإن كان الجميع في نهاية المطاف متواشجاً - ولهذا لم يكن (محمد لافي) بعيداً كل البعد عن الصواب في خطابه المنشور في جريدة الرأي الأردنية عندما أنكر على الكاتبات [والكتاب!] جرأتهن على الجنسي والديني دون السياسي (11):

    " وبالمناسبة، وعلى ذكر كسر التابوات لماذا لا يجرؤ بعض الكاتبات والكتاب من هؤلاء على كسر التابو السياسي العربي، وفقط يلبسون قناع البطولة في الجنسي والديني، ام ان هذين الاخيرين بلا حرس ولا جلاوزة؟!. وكل ما سينجم عن هذا التطاول مجرد ضجة آنية، او زوبعة في فنجان، ستكون محصلتها الشهرة، وزيادة المبيعات، في الوقت الذي يتهم مثيرو هذه الزوبعة بالتخلف والرجعيةّ ثم هل حُلت كل القضايا الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية الساخنة في فلسطين، والسودان، والعراق، ولبنان، ولم تتبق سوى مسألة المرأة في المجتمع الذكوري، حيث تساهم الكتابات التي تعالج هذه المسألة في تكريس المرأة كموضوعة جنسية تماما كالدب الذي قتل صاحبه".

    وهذا الخطاب من ناحية أخرى، يكاد يطابق في بنوده الفكرية وفي منطقه ما جاء في ورقة أماني أبو رحمة (12) من اتهام لهذا الأدب باعتزال قضايا المجتمعات العربية وإهمالها، ولا سيما السياسية منها، وإغراقه في مشكلات الجسد تلك التي تصطدم بالمقدس حتماً، فتمنح المقدس وأتباعه ذريعة للانقضاض على حركة التحرر النسائية وسلب ما تحقق لها من الإنجازات. ويكاد أن يشترك معها في لهجتها الوصائية على الأدب ومبدعيه؛ هذه اللهجة التي تروج عادة في المجتمعات التي يسودها الضمير الجمعي:


    "عندما تطاولت بعض الكاتبات على كل مقدس لم يكن بالضرورة ضد حقوقهن ومطالبهن العادلة، بل وفرن بذلك فرصة ثمينة لأعدائهن الذكورـ ان جاز التعبيرـ للانقضاض على النساء ووصفهن بأقذع الأوصاف وبأنهن أساس كل بلاء وفجور ونددوا بانفصالهن عن قضايا الأمة ودعوتهن الى التحلل من كل التزام في وقت تكالب فيه أعداء الأمة عليها . وبودي أن أوضح أنني لست مع تأجيل معركة النضال الاجتماعي لأنها ليست أولوية بالنسبة للاحتلال مثلا ـ الأمر الذي دفعت النساء الفلسطينيات على سبيل المثال ثمنه طويلا ـ ولكن الأمر لا يتعلق بنضال اجتماعي او دعوة للعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بقدر ما يتعلق بموضوع الحرية المطلقة وتحديدا حرية منح الجسد والمتع الحسية للمرأة بلا قيد او شرط الأمر الذي يهدد المجتمع بأسره وينذر بمواجهة لا تحمد عقباها ربما تخسر النساء فيها كل ما أنجزنه على مدى عقود".
    فأما ما يراه طولست من أن: "الشاعرات والكاتبات والروائيات العربيات استطعن بجرأتهن على خوض غمار الكتابة الإيروتيكية أنْ يؤكدنَ قُدرتهن على منافسة الرجل في ساحة الخَلق والإبداع، وتجريدِه منَ هالة التفرد بهما التي طالما تباهى أو تبجح بها".

    فإنه يحتاج إلى تدقيق؛ لأن المرأة إذا كانت "تنافس الرجل"، فهي تنافسه لتثبت أنها نديده في كثير من مجالات الحياة، وأنها نديده في الحقوق والواجبات، ونديده في قوة الشعور والعاطفة والشهوة، كقول سوسن السوداني (13):

    "فما تشتهونه نشتهيه
    ومايطيب لكم يطيب لنا"

    ولأن المرأة إذا سعت إلى "تجريده من هالة التفرد"؛ تفرُّدِه بطاقة التعبير الصريح عن تجاربه الجنسية؛ فلكي تثبت بالدليل أنها مساوية له في الكفاءة، والموهبة، والقدرة على التعبير الصريح، وكل هذا حسن لا غبار عليه! بيد أنها لن تكون منافسة له في ساحة "الخلق والإبداع" على أية حال (14)، لا لأنها لا تملك شروط الخلق والإبداع التي يملكها الرجل؛ بل لأنَّ لها لغة خاصة تتميز من لغة الرجل، كما لها صوت يتميز من صوته، وبنية تتميز من بنيته. ولكم سيبدو غريباً هنا إذا تخيل المرء ولاَّدة تنافس ابن زيدون، وليلى الأخيلية تنافس توبة بن الحُميَّر، وأنايس نين تنافس هنري ميللر، وسيمون دو بوفوار تنافس سارتر، ومي تنافس جبران، وفيروز تنافس وديع الصافي، ولاعبات كرة القدم ينافسن لاعبيها من الرجال!.

    ومما كثر تداوله من الآراء، عند ذكر عوامل نشوء الأدب النسوي الصريح، رأي يزعم أنّ الحافز إليه هو ابتغاء الشهرة. عبرت فريال حقي عن هذا الرأي بوضوح (15) إذ قالت:
    " فعلا هذا ما حدث، وأظن ذلك مرجعه، إلا أن الكثير من الأقلام الأدبية بما فيها النسوية تريد أن تصنع لنفسها الشهرة بأي وسيلة للظهور ولتطفو على الأسماء الأدبية التي تنشط علي الساحة الجزائرية وحتى العالمية. شخصيا أمقت هذا النوع من التأثير على عاطفة القارئ ومحاولة استدراجه بطريقة او بأخرى نحو هذا النمط من الكتابة، مع أنهم يعرفون أن الإنسان نصفه جنس ونصف الثاني عقل وليس حيوانا يبحث عن اللذة الجنسية فقط بحكم غريزة النوع. كما يخلف هذا النوع من الأدب آثارا وخيمة على نفسية القراء خاصة منهم فئة الشباب".
    وتجاريها فيه أماني أبو رحمة (16):

    "ونعتقد أن كاتباتها اتخذن من الايروتيكية أو الإباحية الورقية موضوعا للشهرة ولولوج عالم الأدب من أسهل أبوابه".
    وحق هذا الرأي أن يهمل؛ لأنه أقرب إلى الاتهام، ولأنه يحمل في داخله أسباب تهافته؛ "فالايروتيكية أو الإباحية" إن تكن سبباً للشهرة، فما يمنع الأديبة أن تتسلقه إليها؟
    وإن تكن باباً سهل الولوج إلى الأدب، فما يصدها عن ولوجه؟ أليس الناس جميعاً يطلبون الشهرة، لما فيها من خير مادي ومعنوي، من أضيق أبوابها حيناً وأوسعها!؟
    وإنّ الشهرة إذ ينالها أديب من الناس، فإنما ينالها مكافأة له منهم على إبداعه، واعترافاً منهم بفضله. فإذا كانت الشهرة تُنال بوساطة التصريح أو الإباحية، فقد دلّ ذلك على أنّ التصريح أو الإباحية فضيلة تعجب الناس، وإبداع يرضي أذواقهم. ففيم الاعتراض إذن؟ وفيم السخط؟.


    وثمة رأي يحاول أن يصل بين ظاهرة الأدب النسوي الصريح وبين التراث القديم بأسبابٍ. وهو يبتغي من هذا المحاولة أن يحمل الناس على الاعتقاد بأن التراث حافز من حوافز نشوء الظاهرة؛ أو يريد أنها منبثقة عنه أو هي امتداد له. غير أنّ هذا الرأي ليس عند التحقيق إلا لوناً من ألوان التبرير، أو محاولة "لإيجاد الشرعية" كما تقول أماني أبو رحمة (17): "في محاولتهم إيجاد شرعية للكتابات الايروتيكية , تشدد كاتبات هذه الظاهرة ومناصريها من الذكور على وجود الايروتيكية في التراث العربي الأدبي والتاريخي والديني منذ قرون بعيدة ويدللون على ما يذهبون إليه بوجود كتب قديمة وحديثة تنضح الإيروتيكية وأخبار الجنس وطرق ممارسته".

    من هذا ما جاء في (برهان العسل) لسلوى النعيمي مما يعلي من قيمة التراث، ويبين عن أثره في تكوين شخصية بطلتها الفكرية:
    "مع (المفكر) أدركت قيمة ما أقرأ ووعيت أهميته. صرت أتنقل بين أحمد بن يوسف التيفاشي، وعلي بن نصر، والسموأل بن يحيى، ونصر الدين الطوسي، ومحمد النفزاوي، وأحمد بن سليمان، وعلي الكاتبي القزويني، والسيوطي، والتيجاني، وكأنني بين أصدقاء. أقرأهم وأستعيدهم، أتمزمز بنصوصهم وأترجم حياتي إلى كلماتهم. أحتفظ بها لغة سرية لا أجرؤ على البوح بها، إلا للمفكر".
    ومما يصرِّح عما تستشعر من متعة لدى سماعها لغة التراث "البذيئة"، وكأن حبالها ما زالت موصولة بماضيها، حتى لتعجب من أولئك الذين يتفادون اليوم النطق بها، أو يلجأون إلى استعمال مفرداتها بأسلوب الكناية والرمز أو بإحلال ألفاظ فرنسية محلها:

    " أنا أنيك إذاً أنا موجود. لماذا لا يمكنني أن أقولها أو أكتبها بالعربية؟
    بالعربية،النيك، لفظاً وفعلاً، ممنوع من العلنية في أيامنا هذه".

    ومن ذلك أيضاً ما صرحت به جمانه حداد في حديث لها مع علي الديري (18):

    "أنا لم أزعم أني اخترعت الايروتيكيا العربية. لا أنا اخترعتها، ولا اخترعها أولئك الذين يتحدثون اليوم عن "جرأة الفتح". جرأة الفتح الحقيقية في اللغة العربية، جرأة الانتهاك والبوح الصادم المتفلت من التابوهات، قام بها كتابنا قبل ألف سنة وأكثر".

    ولم يلق هذا الرأي أيداً؛ بدعوى أن التراث القديم من هذا الجانب، (ذكوري) في مضمونه ولغته، وأنه - إذا استثنينا ظاهرة ولادة – ليس غير حكايات وأخبار ونوادر متفرقة بعيدة كل البعد عن أن تكون أدباً صحيحاً مكتملاً، وقد بينت ذلك أماني أبو رحمة إذ قالت: " إن عزو انفجار الكتابات الايروتيكية النسائية في هذه المرحلة الى وجود تراث عربي ايروتيكي ذكوري لا يعتبر تفسيرا لهذه الظاهرة فمن ناحية نجد ان هذا التراث في اغلبه الأعم ذكوري التوجه يعزز الهيمنة الذكورية وشيئية المرأة فضلا عن انه لا يعد أدبا بالمعنى المتفق عليه قديما او حديثا".

    ولذلك فإن أيّ سعي إلى الربط بين الأدب النسوي الصريح المعاصر من أجل تفسيره، وبين التراث، لن يفوز بطائل.
    غير أن ربط الظاهرة بالتراث - إذا حقّ الاستطراد هنا – قد يكون له ما يسوغه. فإن المقدس رقيبٌ، وهو أشد خطراً على الكلمة من السلطة السياسية، وأحكم منها قبضة، لا يكاد يغفر ذنباً فيما أحله من القواعد، ولا يغمض جفناً على "فاحشة".

    وهذا الذي يفسر، في أكبر الظن، الإلحاح المتعمد على التضمين والاقتباس من القرآن والحديث: كما في (بنات الرياض) لرجاء عبد الله الصانع، وفي (برهان العسل) لسلوى النعيمي حيث تقول:
    " يتفقد (العسل) كما كان يسميه، يذوقه ويقبلني ويوغل عميقاً في فمي وأقول له: من الواضح أنك تطبق وصايا الرسول وتقتدي به: لا يقع أحد منكم على أهله كما تقع البهيمة. وليكن بينكما رسول: القبلة والحديث. وعن عائشة: إن رسول الله كان إذا قبل الواحدة منا مصّ لسانها".


    فكأن تقديم القرابين وحرق البخور للمقدس، سعي منهن ماكر يُلتمس به تفادي خطر الاصطدام المباشر بسلطته، ولا سيما أن أصداء محاكمة ليلى العثمان ومن قبلها ليلى بعلبكي، ما تزال حية في الذاكرة، ماثلة في الأسماع.

    وليس من شك في أنّ المقدس في صوره المتطرفة، يطبق بغطائه على المرأة، فلا يبيح لها حرية التصرف والحركة وفق رغبتها وتخطيطها، ولا يبيح لها حرية التنعم بجسدها وفق أهوائها وذوقها الخاص؛ بل إنه لا يتورع من أن ينتزع منها حقوقاً سبق لها أن غنمتها غنماً مشروعاً بكفاحها، وهو الأمر الذي لم تستطع (الفريده يلينيك) - رغم أنها لا تمت إلى الثقافة العربية بأي سبب - أن تخفي إزاءه قلقها على بنات جنسها؛ بل خوفها في حديث لها إلى جمانة حداد (19):

    " أما خوفي الأكبر فهو الأشخاص المتعصبين. ولذلك أراقب بقلق صعود المتطرفين الإسلاميين مثلا، وهو صعود له أسباب كثيرة لا مجال لشرحها هنا، ولست أصلا متخصصة فيها، رغم أني اقرأ الكثير عن الموضوع".

    وليست فضيلة الفاروق بأقل منها إشفاقاً من التطرف الديني، وقد عبرت عن خوفها عملياً حين توارت خلف اسم مستعار، وما زالت تعبر عنه بالإكثار من إظهار تدينها والتزامها بشعائر الدين في كل مناسبة. ولكنها - وإن كانت تخشى التطرف الديني وترى فيه محنة وبلاء - فإنها لا تتهم الدين، ولا تنبذه من حياتها.

    وإذا كانت فضيلة الفاروق لا ترى في الدين خصماً ينكل المرأةَ عن حقوقها، فإن أديبات غيرها يرين أن الدين يبخس كرامة المرآة، ويغض من حقوقها. ومن هؤلاء: جمانة حداد التي تنفي التناغم بين الدين وكرامة المرأة (20):

    " متى نعترف بأن لا تناغم ممكنًا بين تعاليم الأديان وكرامة المرأة وحقوقها"

    وكذلك بلقيس حميد حسن، التي تدرك جوهر العلاقة العكسية بين المرأة والدين - فحيثما ترتخِ حبال الدين الصوتية، تشتد حبال المرأة، مثل هذا كمثل ولادة التي اشتدت حبال صوتها حين تراخت سلطة الدين في زمانها فيما يرى الباحثون، وحيثما تشتد حبال الدين، ترتخ حبال المرأة – والشاعرة التي رغم إدراكها أن السلطة الدينية من الرهبوت والقوة والجبروت بمكان، فإنها لن تتملّقها، ولن تتقيها، ولن تستعطف الإغضاء منها بالتضمين والاقتباس والمداجاة. ستسلك إليها مسلك الثوريّ: ستنعيها، ستجهر بموت الخوف منها ومن صنم العسف إلى الأبد. وهي مبتهجة مترنمة بعد إذ نصرت عليهما، تغرف حواسُها الظامئة من كأس الحبيب غرفاً.

    وما يحول دون اغتراف اللذات من كأس الحبيب، وقد دالت سطوة الرعب! ( 21):

    نعينا الخوف من رب ٍ ومن صنم ٍ
    طفقنا نشرب ُ اللذات ِ ساحرة ً
    تساقينا الهوى العطشان والثمل
    فديتك َ من حبيب ٍ لا يفارقني
    على بعد يناديني، على خجل


    ويتردد حيناً أنّ "الكبت الجنسي" علة إقدام هؤلاء الأديبات على (الإباحية) واجترائهن على استعمال لغتها الصريحة؛ بما يعني أن سبيلهن في هذا الأدب، إن يكن شيئاً، فهو التنفيس عن رغباتهن الجنسية المقموعة الحبيسة، بالفرار من الواقع الفظ؛ الذي حرمهن من حقّ الاستمتاع بشهوات الجسد ولذاته، على أجنحة الكتابة والتخييل تعويضاً عن الحرمان. وهو المعنى الذي أفصحت عنه أماني أبو رحمة (22) حين تساءلت:
    "هل أن ما نشهده من كتابات نسائية هي كتابات ايروتيكية أو إباحية أم أنها تداعيات مبتذلة لكبت جنسي ؟ وإذا قلنا أننا نعيش في مرحلة ما بعد الفرويدية وان الثورة الجنسية حدت من ظاهرة الكبت الجنسي فهل هي وسيلة للشهرة او رد فعل على التهميش والإقصاء الذي تعاني منه المرأة في هذه المجتمعات ؟".

    وقد تأتي الإجابة عن تساؤلها: "هل هي تداعيات مبتذلة لكبت جنسي؟" مصدِّقة لوجود كبت جنسي في حياتهن، وفي حياة المرأة العربية عامة، ناشىء - كما هو الراجح من استقراء الواقع العربي - من سلطة الذكر المدججة بالدين والتقاليد. بيد أنها، من جانب آخر، لن تجد في التعبير الفني عن هذا الكبت إثماً؛ بل على العكس من ذلك، ستجد عين هذا الكبت إثماً تجب معالجته. وإذا الأديبة على هذا تغوص في الإثم فتستنبط من أعماقه قيماً أخلاقية ونفسية وحضارية تستدفىء بها أرواح النساء، أو يستعِنَّ بجذوتها على قرّ الثقافة الذكورية وخسفها. فما دام الكبت أو القمع الجنسي، حاضراً في حياة المرأة العربية، وما دامت الثورة الجنسية التي انفجرت في الغرب لم تستطع بعد - بخلاف ما ترى - أن تمحو آثار القمع الجنسي المستشرية منها، فمن الحق على الأديبات، كما هو من الحق على الأدباء، أن يعالجن القمع الجنسي بما هو عسر ونكد وتمييز، وأن يعالجن أدقّ التفاصيل المتعلقة به بمايليق بها من الأساليب.

    في (هكذا قتلتُ شهرزاد) تعترف جمانة حداد بشجاعة نادرة قلّ نظيرها بين النساء، بأن هوايتها الثانية في شرخ صباها بعد القراءة، كانت ممارسة العادة السرية الناجمة في اعتقاد الكثيرين عن الكبت:
    "كانت نشأتي صارمة جدا وحُرمت من الوصول إلى العديد من الأشياء؛ ولهذا كانت وسيلتي الوحيدة للمفر من هذا الوضع هو العيش في عالم الكتب. لطالما آمنت بأن هناك أمران وحيدان يستحقان أن أعملهما عندما أكون وحيدة القراءة والعادة السرية واللتان تتطلبان الخلوة للاستمتاع بهما إلى أقصى درجة ".

    وهي إنما تفعل ذلك؛ أي تبوح بسرها؛ لأنها لا تحب لنفسها ولا لبنات جنسها الضعفَ، والخوف، والحياء، والاستتار خلف أقنعة الرياء. إنها امرأة حرة قوية واثقة من ذاتها، جسدها ملكها، ولها السيطرة على كل جارحة فيه. والحرة القوية الواثقة، لا تشفق من البوح، ولا يحمر خداها من خجل وهي تتعرى من عقد النقص والقبح والوجع أمام عدسة المراقبة العامة.
    إن الكبت الجنسي المرادف للقمع، وما ينجم عنه من تداعيات نفسية وأخلاقية وحقوقية، إذ يحرِّض الأدبَ على معالجته وعلى كشف آثاره الضارة ونتائجه المؤلمة، يضطرُّه إلى الدخول في خلايا الجسد ما حمّ منها وما برد؛ فما الجسد بالقياس إلى النساء، إلا الهيكل دعائُمه الحق والنفس والأخلاق، فإذا وهنت الدعائم، انقاض الهيكل.

    فلا غرو إذاً أن أضحى الجسد عند هؤلاء جميعاً، فلسفة ورمزاً لكل ما يؤرق عقولهن، ويشغل نفوسهن، ويحرك مشاعرهن من فيض المعاني الكبرى: الحرية، الاستقلال، الاستغلال، اللذة، الحب، التحدي، العصيان، الحرمان، المساواة، الجمال، القبح، السعادة... وأن أضحى مادة لتشكيل الأبعاد الحضارية والفلسفية والجمالية لإبداعهن بأجناسه المتعددة: أدب، فن، غناء، تمثيل.
    وأن بات مفهوم أو لفظ (الجسد) من أكثر المفاهيم والألفاظ تكراراً وتداولاً في إبداعاتهن وأحاديثهن!:


    خارج الجسد لعفاف البطاينة.
    ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي.
    مجلة الجسد لجمانة حداد.
    باب شطحات الجسد لسلوى النعيمي ... الخ.

    لذلك فإنه من الغبن، في نظر علوية صالح، أن يرى الناس إلى أدبها أنه من سبل التنفيس عن "تداعيات مبتذلة" رخيصة أرّثها الكبت الجنسي. فإن في أدبها طاقاتٍ فكرية مؤثرة، ومشاريع نقدية تطمح إلى تحطيم القواعد التي تعنّي النساءَ، وإلى رفع الحواجز التي تعوق عبورهن إلى منطقة الضوء والأمان. كما فيه حثّ جميل على تصحيح الشوه الذي لطخ علاقة الرجل بالمرأة طويلا:

    "الجسد هو تعبير لم ألجأ إليه كخطاب أو من أجل أدلجة الجسم، ولم أقاربه من موقع استدراج القارئ. الجنس له وظيفة فنية، بمعنى أنه كاشف للشخصية. ولعلاقة هذه الشخصية بالآخر، علاقتها بنفسها، أي كاشفة للعلاقة بين المرأة والرجل، كاشفة لمفاهيم ومعتقدات، وذهنيات ومجتمع ذكوري. كاشفة للعنف ضد المرأة. كاشفة، ليس فقط للتعنيف الجسدي، وإنما لتعنيف الذات، لهذا المعنى الجنسي الموظف فنياً. أنا ضد كل كلام يبتذل الجنس أو يوظفه لغايات غير فنيّة.."

    مما يذهب الريبة في نبل مقاصد التصريح بحاجات الجسد المسكوت عنها، ويقوي الاعتقاد بنبل غاية التصريح وجمالها.
    وكذلك هو في نظر سلوى النعيمي، التي تؤكد أنّ أدبها يوظف الجنس أو الجسد لفضح الزيف والنفاق الاجتماعي والتقية والتناقض بين الظاهر والباطن في العلاقات الإنسانية:
    " ماذا سيخطر لهؤلاء الجالسين حولي لو يقرأون ما أكتب؟ ماذا سيخطر لهؤلاء عندما يكتشفون أني كسرت العقد الاجتماعي، أني انتهكت قانون التقية الذي يطبقه الجميع".

    أما فضيلة الفاروق، فتكاد أن تكون متخصصة في معالجة جرائم اغتصاب الفتيات والزوجات فإذا هي تسهب في سرد تفاصيلها، وتستقصي دقائقها، وتضيء عتماتها؛ حتى لتحفظ الناسَ عليها، وتهيج فيهم السخط عليها، وحتى لتستجلب باقترافها جنحة التركيز عليها، غضب سفير بلادها الذي لم يرَ فيما أبدعت غير وصم قد أضرّ بسمعة بلاده!.

    في روايتها (اكتشاف الشهوة) على سبيل المثال، يجد القارئ إدانة صريحة لاغتصاب الزوج لزوجته، وقد صورت الحدث المدان تصويراً واقعياً بليغاً كاشفاً جريئاً فاضحاً، لو كان يبلغ سمع طه حسين (22)، لتريث قبل أن يكتب قائلاً: "وما أظنني أعرف أدباً مقيداً في التحرج غالياً في الاحتياط كأدبنا العربي الذي ينشئه أصحابه وهم يفكرون في الناس أكثر مما يفكرون في أنفسهم، حتى أطمعوا الناس فيهم، وأصبحوا عبيداً للجماعة وخدماً للقراء. فلنتمرد على الجماعة، ولنثر بالقراء، ولننبذ الاحتياط كله إلا هذا الذي يثير الشر أو يؤذي الأخلاق".
    ولأنّ الاغتصاب مظهر وحشي عنيف شاذ من مظاهر الممارسة الجنسية غير المتكافئة، فلا مندوحة لها، إن أرادت الصدق في التعبير، والدقة في التصوير، وقوة التأثير في القارئ، من أن تصرح عن ملابسات واقعة الاغتصاب كما تحدث في الواقع دون حرج أو حذف أو إيماء أو كناية، أو تلميح أو غير ذلك من الوسائل التعبيرية "الغالية في الاحتياط" من تلك التي تضعف من أثر الواقعة في نفس القارئ، ولا تترك فيها إلا صدى خاوياً:

    "أحتاج إلى تعرية نفسي أمامها، وتعرية "مود..." الميغري الذي تزوجت.
    بالتأكيد سأخبرها كيف ضاجعني من الدبر، وكيف أصبت بعطب في مؤخرتي لهذا السبب، وأصبح عذابي الأكبر دخولي إلى الحمام لقضاء حاجتي. في كل مرة كانت مؤخرتي تتمزق وتنزف.
    الحب لا يمارس إلا في موضعه.
    سأحكي "لشاهي" كيف يستمني أمام الأفلام البورنوغرافية...
    بالتأكيد سأحكي لها عن تقززي منه، وعن الكائن البارد الذي يسكنني كلما رأيته عارياً، وعن شعوري بالغثيان كلما رأيت قضيبه، سأروي لها كيف أرادني أن ألعقه وكيف تقيأت أمعائي حين لفحتني رائحة البول وتذوقت حموضته".


    ولعل التنويه بقصيدة شاعرة عربية مجهولة درجت في الناس سراً قبل أن تنتشر عبر النيت، يجدي في هذا المقام!. وهي قصيدة بلغ التمادي فيها بالتصريح قصاراه. قد افتنّت بتصوير جموح الشهوة في مضجع اللذة بألفاظ تجردت حتى من غلائلها الرقيقة، ولجّت في وصف حركة الجوارح الجنسية، وهي والغة في نشوتها منهمكة في لذاتها الحسية أشد الانهماك، قد خلعت الستر عن فرج منهوم ربا من روعة الشبق وارتسم كدوس ربرب في فلاة سقاها هاطل من ديمة وطفاء؛ فرجٍ فتيّ لا تعروه من الطعن فترة ولا لغوب، بأسلوب مدهش يعبر عن " حسّ أنثوي بالفحش" قد تمنّت (الفريده يلينيك) يوماً أن تمتلك نظيره، وعست أن تتمكن بفضله من إبتداع بورنوغرافيا أنثوية تضارع في مستواها بورنوغرافيا الرجال، ولكنها أخفقت (23).

    القصيدة عمودية تحكي في وزنها العروضي وقافيتها ورويّها وبعض وحداتها اللفظية، قصيدة نزار قباني (ماذا أقول له لو جاء يسألني) فكأنها أرادت أن تعارضها، أو أن تدخل في بنائها الشكلي لبناتٍ مستعارة من قصيدته بطريقة التداخل النصي، أو أن تأتم بصاحبها ولا سيما أنه شاعر المرأة بجدارة، وأول من أذاع بين الناس في العصر الحديث حالة جنسية شبت بين امرأتين في قصيدته الشريرة، بصراحةٍ هاجت نقمة الكهوفيين :

    ماذا أقـــــــــول إذا دقّت أصابعه بابــي برفـقٍ ودفءٍ ، كيــف ألــقــاه

    ماذا أقـــــــــول إذا حيّا بطلعتـه ولهـفـة الــشوق دبّـت في محيــّــــاه


    ماذا أقــــــــول إذا راحت أصابعه تداعـب الفــخـــذ ســراً تحــت مأواه

    ما لـي أرى ركبتيّ اصـطـكـتـا شـبقاً واسترطبـت شــفـتــــا فـرجي لـمـرآه

    قد قدتـــــــه لسريري غير مالـكة أمـري وهــل لـي سوى إشــبـاع مرمـاه

    وراح يخلع عنّــــــي كلّ ساتــرة عن حـلـمـة الـنهــد…عــمّا أبــدع الـلـــــه

    جسم غرير صبا هـيمان في شـبـــقٍ حــرّان تــضرمه الأشــواق…ويــــلاه!

    وبـيـن فـخذيه شيء لست أنعته ولا أخـال لـه في النــاس أشــبــــــاه

    لمســـــته بيدي فانهلّ مدمعـــه أوّاه مــمّـا ســــــــــألقى منه…أوّاه

    ورحت من دون أن أدري أمصمصـــه ما أمــتـع الـمــــص فـي قــلبي وأشهاه!

    أحاط جـيـدي بـيسـراه فـذبـت هوىً وشـــــــــدنـي نـحــوه شـداً بـيمناه

    وحـكّ كسي بـرأس الأير منفعــلاً ودغـدغـت نهـــدي الـغـافي ثـنـــايـاه

    وراح يلمس منّي كلّ جارحـــــــةٍ حــتّـى تـهالـكـت أشــكــو مثل شـكواه

    وراح يولجه حيناً ويخرجـــــــه حـيـناً فكدت أحـــــس القــلب مـجـراه

    طعـــــن لذيذ بكى فرجي للـذتــه وابتـــــــل من مـائه تحتي وفـخــذاه

    وللــسريــــــر صرير زادنا شبقاً وللشهيـــــــق حديــث ما قطعـنـــاه

    يا لذةً معه أعظمْ بمتعتـــــــــها! طــوبـى لـمـن نــالـهـا في الـنيـك طـوباه

    نـــصـيـحـتـي لكم يا قوم أن تثقوا أن الســــعادة لا مـــــال ولا جــــــاه

    بـــل الــسعــادة في أنثى وفي ذكرٍ الحـبّ ضـمـهـما والشوق والبــــــــــاه

    نــحن اللــواتي إذا مـا جـاء ينكحنا فــتىً غــريـر من الـغـلمــان نكـنـــــاه



    فهي، وإن لم تصنف في باب الأدب (الراقي)، تخدم أغراضاً من هذه الأغراض الكثيرة التي لها اتصال وثيق بحياة المرأة وبخاصة تلك التي لها تعلق بمنبسطات جسدها وحزونه ومنعرجاته وأغواره، مما يَظهر شيئاً في قول الفريده يلينيك ( 24):

    " أنا كامرأة – أي كعضو من طبقة ملغاة في المجتمع – لم تدرك حتى الآن صفة الفاعل وغالباً ما تعامل كشيء. أشعر بهذه التناقضات الاجتماعية في أحشائي، حرفياً، لأن المرآة يحددها جسدها في الدرجة الأولى، وذلك ما عليها نقله كتابة، وهو ما أحاول فعله".

    فإنها لا تخلو من حض النساء على تحرير أجسادهن من لعنة البرود، ومن الشعور بالإثم، ومن الحياء والتحرج لدى ممارسة حقهن في الاستمتاع بالرجل. ولا تخلو من استنهاض وعيهن لاسترداد القيمة الحقيقية الماتعة للجنس التي أزرت بها فلسفة الورع والعفة الخادعة. كما أنها لا تخلو من فخر يعظم زخم الأنوثة الفاعلة وعنفوانها، ويحط مما لحق بها من المهانة والانتقاص تلقاء الفحولة وينكره، ولا يسوءها بعد ذلك أن بعض معانيها لم يكتسِ بلفظ محتشم.

    إن توظيف الجنس في الأدب، قديم برع فيه الرجال في سائر الأمم، وقد استثمروه للانتفاع به في مجالات شتى وخصوصاً في مجال الأخلاق والسياسة. ولعل القارئ يستذكر من الأدب العربي الحديث، على سبيل المثال، روايات عمد مؤلفوها إلى تسخير شخصياتها أو مواقف جنسية لهذه الشخصيات في خدمة أغراض سياسية لهم أو أخلاقية، أو اجتماعية، أو نفسية، من مثل: (القاهرة الجديدة) لنجيب محفوظ، و (موسم الهجرة إلى الشمال) للطيب صالح، و (الظمأ والينبوع) لفاضل السباعي، و (الحي اللاتيني) لسهيل ادريس، و (رجع الوجع) لحسين علوان حسين.


    فلا غرابة في أن تسعى المرأة أيضاً في هذا الاتجاه؛ فتوظفَ أدبها لخدمة مآربها وحاجاتها وقضاياها الخاصة كالرجل. وليس من حرج عليها، إن هي تجرأت فتناولت (المسكوت عنه) ثم اصطنعت له قوالب لفظية صريحة مما هو شائع على الألسنة في الواقع المعيش خارج حدود اللياقة المتعارف عليها؛ ومما هو شائع أيضاً في التراث، إذا ما قضى بذلك الحدثُ، أو الهدف، أو الضرورة الفنية.

    ومما يستدعي الذكر هنا، أن اللغة الجنسية بألفاظها العارية لها خواص مثيرة بذاتها. فليس من وظائفها أن تجعل موضوعها الجنسي حياً ينبض بنبض الواقع فحسب، بل هي تبعث اللذة في نفس قارئها ومنشئها بذاتها وجرسها وإيقاعها الخاص، إذا لم تخرج عن سياقها إلى التعريض والإهانة والشتيمة. ويمكن ملاحظة ذلك في لحظات التوالج المشبوب حيث ينتشي المنصهرون فيها بخمرة الألفاظ الجنسية، التي يرسلونها على سجيتها من غير تحفظ. وتمكن ملاحظته عند الأدباء أيضاً ولكن بمعنى آخر: فإن ما تحدثه اللغة الجنسية من النشوة، يوشك أن يكون مماثلاً لما تحدثه مفردات اللغة الشعرية من نشوة وطرب في نفوس الشعراء خاصةً، حتى إن بعض الشعراء لتعروه من ألفاظ لغته الشعرية ما يعتري المتصوفة في حلقات الذكر من الهيام والوجد والغيبوبة.

    وقد باحت سلوى النعيمي بسر الألفاظ في حديثها عن الطاقة الجنسية التي تفور بها لغتها العربية، فقالت ( 25):

    "كانت الحرية التي يكتب بها القدماء تمد لي لسانها مع صفوف الكلمات التي لا أجرؤ على استعمالها، لا شفوياً ولا تحريرياً. لغة مهيجة. لا يمكنني أن أقرأ مقطعاً من دون أن أتبلل. لا يمكن للغة أجنبية أن تثيرني هكذا. العربية هي لغة الجنس عندي. لا يمكن للغة أخرى أن تحل محلها وقت الحمى ...".

    وقد أثبت طه حسين عرضاً (26 ) أن لغة النثر لا تقصر عن لغة الشعر في أداء هذه المتعة، عندما اعترض سارتر، الذي كان يومئذ يذيع مادة كتابه (ما الأدب) منجَّمة في مجلته (الأزمنة الحديثة)، في بعض رأيه. وكان سارتر قد ذهب في بعض رأيه إلى أن لغة النثر، وسيلةٌ إلى إظهار المعاني فحسب، ولا تُطلب لأغراض أخرى:

    " وهناك حقيقة أدبية أخرى لم يلتفت إليها سارتر مريداً أو غير مريد ألا يلتفت إليها، وهي أن الكتاب الناثرين قد يذهبون مذهب الشعراء، فيعنون بالألفاظ في أنفسها ويتخذونها غاية فنية، ومظهراً من مظاهر الجمال ووسيلة إلى إثارة الإعجاب والبهجة اللذين يثيرهما الشعر".

    ومهما يكن من أمر الاختلاف وتنوع الآراء حول البواعث والحوافز والأسباب التي أفضت إلى نشأة التصريح في أدب النساء العربيات؛ ومهما يكن من أمر ما قد قيل فيه من خير ومن شر، فإنّ نشأة هذا الأدب، لا يمكن أن يصحّ تفسيرها ويستقيمَ حالها خارج إطار العلاقة الحضارية القائمة بين الشرق العربي والغرب؛ فليس من شك في أن الثقافة الغربية منذ عصر النهضة العربية، تكاد تهيمن على الثقافة العربية بجميع فروعها وألوانها ومذاهبها الفكرية، وتقودها رغم خصوصية الثقافة العربية، تماماً مثلما تهيمن منجزاتها المادية والعلمية والتكنولوجية على حياة العرب في مجالات الاقتصاد والسياسة والاستهلاك والمشاريع العسكرية: من شركات الطيران... إلى مطاعم الوجبات السريعة.

    ومع ذلك فليس ينبغي الجزم هنا بأن الثقافة العربية وخصوصاً الأدب، نسخة عن الثقافة الغربية وتقليد أعمى؛ لأنّ ما بين الثقافتين هو من قبيل التفاعل (27) والتأثر والاحتذاء الواعي. ولكنه لا مفر من القول: إن دراسة الظاهرات الأدبية الحديثة في الشعر والرواية والنقد، سواء أكان ذلك من ناحية الشكل أم من ناحية المضمون، يصعب أن تتحقق بمعزل عن الثقافة الغربية ومؤثراتها المباشرة وغير المباشرة. إن القول بأن أدباء الرابطة القلمية، وجماعة أبولو، ومجلة شعر، وجماعة كركوك، ونازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، والبياتي، وصلاح عبد الصبور... الخ، مدينون في تجديدهم للأدب الغربي لا يقبل الجدال. لقد اعترف كثير من المبدعين المجددين بتأثير الثقافة الغربية وفضلها في توجيه أقلامهم نحو التجديد في الصياغة اللفظية وفي المحتوى: كأبي القاسم الشابي في كتابه (الخيال الشعري عند العرب) وبدر شاكر السياب (28)، وأدونيس الذي لم يخف في محاضراته التي صدرت عن دار الآداب تحت عنوان (الشعرية العربية) تأثره وانقياده للأدب الغربي:
    " أحب هنا أن أعترف بأنني كنت من بين من أخذوا بثقافة الغرب. غير أنني كنت كذلك بين الأوائل الذين ما لبثوا أن تجاوزوا ذلك، وقد تسلحوا بوعي ومفهومات تمكنهم من أن يعيدوا قراءة موروثهم بنظرة جديدة وأن يحققوا استقلالهم الذاتي".

    فإذا كان للثقافة الغربية كل هذا التأثير في الأدب العربي وأعلامه، فمن الطبيعي أن يمتد تأثيرها إلى أدب النساء، ومن الطبيعي أن تستلهم الأديبات العربيات كلّ ما يجدّ في هذه الثقافة من ألوان الابتكار والبدع.
    فلما كانت ظاهرة (الإباحية) ازدهرت في أدب النساء الغربيات، وكانت مرتبطة في الأصل بحركات التحرر النسائية، فقد كان متوقعاً أن تستوحيها أديبات اللغة العربية ولا سيما أولئك اللواتي انخرطن في حركات التحرر النسائية التي تناضل الظلم عن المرأة، وتنشد العدل والمساواة بين الذكور والإناث في كل شأن من شؤون الحياة مهما يصغر ويدق.
    وقد نبهت د. أماني أبو رحمة لهذا الارتباط بين الأدبين، بيد أنها جعلت الارتباط قائماً على التقليد من جهة الكاتبات العربيات، وجعلت أعمال هؤلاء الكاتبات فارغة ليست لها أبعاد سياسية واجتماعية وفكرية على صعيد المغزى والمضمون:


    " لم تكن الكتابة الايروتيكية النسائية ( وأؤكد على أن ما أعنيه هنا هو كتابات المرأة الايروتيكية وليس تصنيف الأدب الى أنثوي أو ذكوري) هي الظاهرة الوحيدة التي اعتمدناها في تقليد الغرب بعد نزعها من سياقها الحضاري والثقافي والاجتماعي والسياسي والفكري..."

    وعلى هذا فإن دراسة هذه الظاهرة في أدب النساء العربيات، تقتضي الربط بينها وبين أدب الكاتبات الغربيات، أمثال: سيمون دي بوفوار، وأناييس نين وغيرهما من اللواتي ظهرن بعدهما، وذهبن أبعد منهما في عريهن الجريء في الثقافة الغربية؛ إذ لولا هؤلاء، لقد ظلّ أدب النساء العربيات يدور حول محور الحب البريء من "دنس" الغريزة، ولظلّ متدثراً بخافية الإيماء. كما اقتضت من قبل ظاهرة التجديد لدى شعراء مجلة (شعر) أن ترتبط بقصيدة (الأرض الخراب) للشاعر ت. س. إليوت.

    ولكنْ ينبغي ألا تغفل دراسةُ هذا الأدب عن المؤثرات الخارجية التي ساعدت قلم المبدعات على التحرر من عقدة الخوف والخجل، وأمدته بحبر الشجاعة، وهي كثيرة: السينما، الفيديو كليب، المواقع والمنتديات، وسائل الاتصال عبر النيت، سهولة النشر، تقبل الناشرين والقراء له.

    وعسى أن يكون باعثاً على التسلية والمرح ذكرُ هذه الطرفة في الختام!:

    تفرقت الآراء في أحد المنتديات عندما عرضت مناقشة الأدب النسوي الصريح فيه: فمن مستحسن، ومن مستعيب، ومن مؤيد ومن مستنكر. وما هي إلا أن انبرت إحدى المشاركات في المنتدى، وقالت بعامية أهل الخليج:

    "إذا كان الوضع كذا فالحمد لله أني ما أقرا قصص عربية"

    نعيم إيليا


    ــــــــــ

    هوامش :

    (1) – انظر الذخيرة لابن بسام، ونفح الطيب للمقّري.
    ومما قاله ابن بسام فيها: " وكانت في نساء أهل زمانها واحدة أقرانها، حضور شاهد، وحرارة أوابد، وحسن منظر ومخبر، وحلاوة مورد ومصدر، وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر، وفناؤها ملعباً لجياد النظم والنثر يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها ويتهالك أفراد الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها إلى سهولة حجّابها، وكثرة، منتابها، تخلط ذلك بعلو نصاب، وكرم أنساب، وطهارة أثواب، على أنها – سمح الله لها وتغمد زللها – اطرحت التحصيل، وأوجدت إلى القول فيها السبيل بقلة مبالاتها، ومجاهرتها بلذاتها."
    (2) - ربما اعترت الباحثين الريبة في صحة نسبة هذين البيتين إليها: لما فيهما من جرأة على تقاليد ذلك العصر واختراق لها، ولما هو ظاهر بينهما من اختلاف وتنافر في الدلالة والمعنى. فإنّ الأول منهما يباهي بالرفعة والكبر، ويصور طبائع أهل النعمة واليسر، فأما الثاني فأقرب في دلالته إلى طبائع الجواري المملوكات والإماء المتبذلات.
    (3) – نسبة إلى الكهوف على غير قياس استخدمها الشاعر خلدون جاويد للدلالة على الجمود والتخلف والنزعة الماضوية في قصيدته (كلما) وهي قصيدة بديعة المعاني. ابحث عنها في موقع الحوار المتمدن، وموقع عنكاوة.
    (4) – صحيفة المثقف.
    (5) – حميد طولست: ظاهرة الكتابة الإيروسية عند المرأة. موقع ديوان العرب.
    (6) – د. أماني أبو رحمة: الكتابة النسوية بين الإيروتيكية والإباحية. موقع ضفاف الإبداع.
    (7) – د. ثائر العذاري: الأفعى والتفاحة، موضوعة الجنس في الأدب النسوي المعاصر. موقع الحوار المتمدن.
    (8 . 9. 15. 16. 17. 22. ) – د. أماني أبو رحمة: المصدر نفسه.
    (10) – فضيلة الفاروق: حوار أجرته معها أويرو نيوز.
    (11) – محمد لافي: الأدب النسوي والمسكوت عنه.
    (12. 13) – سوسن السوداني: أعشقك كما أنت.
    (14) – قد يمكن هنا أن نستثني عدداً من الكاتبات محدوداً، حاولن منافسة الرجل في كل شيء بما عرف عنهن من ميول جنسية مثلية تتوهم الذكورة غريماً وعدواً.
    (15) - رداً على سؤال طرحته عليها نصيرة سيد علي في موقع جزايرس : "أصبحت الكتابة الإباحية في عالم الأدب ولاسيما بأقلام نسوية موضة الكاتب في الآونة الأخيرة، بما تفسرين انتشار هذه الظاهرة، وما هي الآثار التي يخلفها هذا النوع من الكتابة على القارئ ؟".
    (18) - انظر علي الديري: مدونة هوامل.
    (19) - الأدب البورنوغرافي اختراع المخيلة الذكورية. حوار مع الفريده يلينيك لجمانه حداد: موقع ديوان العرب.
    (20) - جمانة حداد: هكذا قتلت شهرزاد.
    (21) – بلقيس حميد حسن، قصيدة (لي طقسي): موقع الحوار المتمدن.
    (22) – طه حسين: مع المتنبي.
    (23) جمانة حداد: الفريده يلينيك، الأدب البورنوغرافي اختراع المخيلة الذكورية، ملحق النهار الأدبي، وموقع ديوان العرب. قاطعتها جمانة بقولها: لكنكِ اعترفتِ انك فشلتِ في خلق "حس أنثوي بالفحش" فأجابتها يلينيك: نعم، أخفقتُ في مسعاي. كنتُ أريد أن اكتب بورنوغرافيا، ثم اكتشفتُ أن تلك مهمة مستحيلة بالنسبة لي
    (24) – الفريده يلينيك: الادب البورنوغرافي اختراع المخيلة الذكورية، جمانه حداد.
    (25) – سلوى النعيمي: برهان العسل.
    (26) – طه حسين: ألوان. ملاحظات.
    (27) – انظر: مسارات التحولات، قراءة في شعر أدونيس: أسيمة درويش دار الآداب. ومحمد النويهي: قضية الشعر الجديد.
    (28) انظر: مسار التحولات لأسيمة درويش.






  • تجد بعض النصوص المعاصرة أن الحديث عن فنون الإثارة الجنسية ووضعها في قالب أدبي متنوع بين قصة ورواية وقصيدة ... ونحو ذلك ، أمر متعلق بتجاوز المسكوت عنه في النصوص الإبداعية ، فضلا عن الرغبة في ولوج مساحات كتابية تكتنفها حُجُب عدة تبدأ مع الدين ولا تنتهي عند الأعراف ، وفي اقتحام ميدان النصوصية بما ألفته ـ زمناً ممتداً ـ خارج الذاكرة المكشوفة .
    إن المتأمل في نماذج من نصوص الإثارة الجنسية التي يُطلق عليها أحياناً ( الكتابة الآيروتيكية ) أو الكتابات المنتمية إلى ميدان ( البونوغراف ) ، يجد ملحوظات عدة ، منها ما ينتمي للفن الكتابي نفسه بوصفه إبداعاً ، ومنها ما ينتمي إلى هذه الظاهرة بشكل عام بوصفها موضة جديدة في الخط البياني المتنامي عربياً ، وهو ليس بالضرورة خطاً ذا سمات إيجابية ، فالنماء في ظاهرة ما لا يشير مطلقاً إلى كونها ظاهرة تسير بشكل متزن دون تعرج في المنهج ، أو عوق في الأسلوب ، أو سطحية في المعنى .
    تأخذ الرؤية النقدية لهذه الظاهرة ( الموضة ) جوانب تتعلق ـ كما نرى ـ بتوجهات نفسية بالدرجة الأولى متجهة نحو مسلكين قد لا يكونا متلازمين : الأول البحث عن الشهرة ، والثاني الكبت الشعوري والحرمان الذي يعانيه الناص .


    ويضفي كلا المسلكين على النص رؤية تصطبغ بمعالجات انزياحية خارجة عن المألوف ، تقرب من الحصن الأخلاقي الذي تتمتع به كل منظومة فردية ، محاولة العزف على وتر الغرائز الدفينة ، ومثيرة في الوقت نفسه مجسات الشهوة المستعدة في الأوقات كلها للتأثر المباشر نظراً لطبيعة البنية الشعورية لدى الجسد .

    وانطلاقاً من ذلك يجد القارئ نفسه أمام زخم من المعاني التي تدغدغ ما سُكِتَ عنه ، وتستنهض فيه الرغبة بالمتابعة والانجذاب نحو هذه النصوص ، دون مراعاة النتائج المتوخاة من الاستمرار في طريق هذه الخواطر والمحفزات التي قُدِمت بوصفها إبداعاً فنياً !! .

    ويجد الناقد في نص الإثارة الجنسية انحيازاً واضحاً للمضمون على حساب الشكل ، وتوجهاً مباشراً نحو المعنى على حساب العناصر الفنية ، ويجد أن الجسد قد تحول مع هذه النصوص إلى أيقونة فقدت قدسيتها ، وغابت عنها دلالتها ، وتشرنقت بأسئلة الدهشة والمتعة والجرأة والاقتحام والتجاوز ، والإسهام ـ بشكل أو بآخر ـ بنزع أقنعة الفرد التي يرتديها أمام المجتمع ليظهر بوجه حقيقي عارٍ أمام نفسه في مواجهة المغريات .
    إن محاولة هذه النصوص العربية من تمثيل الكتابة بالجسد أو بالكتابة حول فعاليات الجسد وعلاقته بالأجساد الأخرى ، وتصوير العلاقات بين الأفراد في حدود الجنس وحسب دون حدود فاصلة بينهم ، ودون مراعاة التوجهات الاجتماعية القاضية بحفظ خصوصية هذه العلاقات الإنسانية وسريتها ، واحترام خفائها وعدم إشاعتها ، هي محاولات لا تستقيم مع المسارات العربية والإسلامية في التلقي والاستقبال ، وتبقى ـ أي هذه المحاولات ـ أصواتاً لا تحمل صدى نظراً لمحاولتها سحب العلاقات الإنسانية التي تكتسب جمال الكون ، وتحفظ دورة الحياة فيه ، سحبها من الإطار المقدس المتزن في الأسرة الواحدة إلى الميدان المشاع من العلاقات المحرمة المتجاوزة لكل ( التابوات ) ، ولكل ما ألفته الإنسانية من نبل وودّ ومشاعر صادقة غير قاصرة على ممارسة جنسية جسدية تستغرق دقائق معدودة !! .

    ويشير التحليل البنيوي لهذه النصوص إلى أن البؤرة التي تنطلق منها هي الجسد وما يتعلق به من ممارسات ، وما يرتبط به من فعاليات ونشاطات ، وأن الأنساق المتشكلة منها تتجه جميعاً إلى نُظُمٍ نمطية تتحدث عن التداخلات الشخصية ورؤية كل منها للأمر ، وفي ذلك التحليل ربط جوهري بين التحيز الكامل للمعنى المعلن عنه وبين النظام النصي المشكل ، وكأننا ـ وانطلاقاً من الرؤية السابقة ـ نرجع إلى عقود خلت من الرؤية التحليلية للإبداع النصي وتحديداً مع معطيات ( فرويد ) حول ربط الإبداع بالشهوة ، وحول كون ( اللبيدو ) عنصراً محفزاً لإطلاق الإبداع الفني والأدبي !! .

    إن محاولة ربط الإبداع بالمحفز الجنسي وحسب ، هي قضية عفا عنها الزمن ، ولم تستقم مع التحليل النقدي المعاصر ـ النصي منه والسياقي ـ بتنوع مدارسه واتجاهاته ، لأن الإبداع وبشكل أساسي هو منظومة تشكل خبرات الناص وتلاقحها مع مجمل النشاطات والفعاليات المعيشة المتنوعة دون مكاشفات عينية مباشرة ، وليست قاصرة على جوانب نفسية محددة بعنصر الجنس وحسب .


    يهدف النص الآيروتيكي ـ كما يصور أصحابه ـ إلى تقديم عنصر ( التثاقف ) للمجموع من خلال تجاوز المضمرات أولاً ، وتحويل هوامش أبنية السؤال إلى متون المعرفة التي يسعى الآخر إليها ثانياً ، وتنبني هذه العملية على مولد فكري ذي قصدية ، وأعني هنا تحديداً قصدية الاختراق ، الذي ينطلق من قاعدة ( تسويق المنتج الفكري ) القائمة على أساس وضعه في قالب فني ليكون أكثر قبولاً وتشويقاً وتأثيراً .

    ويمكن القول إنّ نص الإثارة الجنسية ( النص الآيروتيكي ) قد تجاوز وبشكل واضح ظاهرة ( الأدب المكشوف ) التي عالجها النقاد خلال عقـود خلت من المسيرة النقدية ، إذ تناولت نصوص الأدب المكشوف الحديث عن فنون العلاقة مع الآخر بتلميح دون تصريح ، وبترميز دون تجريح ، دون اللجوء إلى الوصف الدقيق ، والحوار الشبقي المنفلت من سطوة الرقيب .

    إن الباحث عن الإبداع لن يجد في بضاعة النص المثير للجنس ـ في الغالب ـ سوى حديث عن فنون التعري والتقرب جسدياً من الآخر ، وطرائق كسب المتعة واللذة ، وكيفيات تصريف النزوة ، وإشباع الشهوة ، وحديث عن الخبرات والممارسات الجنسية والشاذة التي عايشها أبطال الحدث ، فضلا عن الأوصاف المتعلقة بالأعضاء الذكرية والأنثوية التي تصل في بعض الأحيان إلى درجة من التشخيص الدقيق الذي يقودك إلى التقزز والاشمئزاز ، ولنا في هذا المقام شواهد من هذه النصوص العربية ( ثلاث روايات وسيرة ذاتية ) ، نتجنب التصريح بعنواناتها خشية التسويق المجاني لها .

    والسؤال المطروح الآن : هل وصل النص الفني المنتمي إلى ميدان الأدب العربي الحديث إلى مرحلة الإدمان على البونوغراف في فضاء الكتابة ، أم أن هذه المحاولات لا يمكنها أن تشكل ظاهرة فنية يُشار إليها نقدياً ؟

    إن الإجابة عن هذا التساؤل يكتنفها التأمل ... ، إذ بعد متابعة بعض الأعمال الإبداعية العربية ـ النثرية تحديداً ـ تبين لنا وجود عدد من النصوص التي تحمل هذا الطابع الكتابي ، وتتبنى هموم المعنى المتعلقة بمعاني الإثارة الجنسية فضلاً عن الشذوذية ، لا سيما وأن التجارب الأنثوية في هذا الإطار أكثر وضوحاً ونتاجاً وإفصاحاً من التجارب النصية الذكورية ، مع إيماننا النقدي بعدم وجود فاصل إبداعي بين ما يُسمى ( الكتابة الأنثوية ) و ( الكتابة الذكورية ) ، ولا يعدو الفرق بينهما ـ كما نرى ـ اختلافاً في التجارب والرؤى .

    يُعدّ نص الإثارة الجنسية ظاهرة كتابية تستدعي الوقوف عندها وتحليل أسبابها ، وبيان طبيعتها ، لكنها مع ذلك لم تصل على مرحلة الشيوع الفني نظراً لانحسار هذا اللون في مقاهٍ أدبية ونوادٍ إلكترونية ، وبعض النصوص المنشورة هنا وهناك ، فضلاً عن أن الذائقة الأدبية الإبداعية عند جمهور التلقي ـ بشكل عام ـ ما زالت تتمتع بخاصية تنقيح هذه النصوص وعزلها عن أرشيف الذاكرة ، وإبعادها عن تلويث ما تمّ تحصيله من الإبداع الراقي والمثالي ذي الجلال والجمال .

    لا شك إن للجسد ميولاً جنسية تتصف بالفوران والهيجان ، لكن في المقابل أيضاً .. للجسد حاجات ورغبات ومكونات لا يشكل الجنس منها سوى جزء من مجموعة أجزاء ، وإذا ما مُنِحت الميولُ محفزاتٍ للاشتغال فإنها ستعمل على تلوين كل فعاليات الجسد بالإثارة ، وستكون جزءاً مهيمناً على توجهات الفرد وسلوكياته ومنجزاته ، وليس ذلك وحسب ، بل ستسعى جاهدة نحو نقل الممارسة من الواقع الكتابي إلى الواقع العيني ، وهنا يقع المحظور !! .

    ما نريد قوله : إن التعبير عن هذه الميول من خلال الكتابة الآيروتيكية يضفي ظلالاً على النصوص ، ويطلق غريزتها ، لتحقيق وظيفة التواصل مع المسكوت عنه عند المتلقي ، وقد يجر ذلك إلى تحقيق قصدية هذه النصوص في نشر الرذيلة والإباحية ، والقفز على حصون الدين والأعراف ، وتجاوز السُّنن المنظمة لسلوك الإنسانية ، وستحمل هذه النصوص جريرة الفُحش ، وخدش اتزان الفرد كلما توالت القراءات ، وتنوعت التأثيرات .

    د.محمد سالم



  • الإيروتيكا في مجتمع يحتقر الجسد


    من بين الادعاءات النقدية التي أتابعها بفضول، مبتئسا من محاولات تمرير الأكاذيب النقدية التي تروَّج عادة في مناخ الانحطاط الثقافي والفكري، الذي ننعم به منذ سنوات، مقولتان دعائيتان هما "الانفجار الروائي" و"كتابة الجسد"، ولأن المقولة الأولى ليست موضوعا لما أهتم به هنا فسوف انتقل مباشرة للأكذوبة الثانية.

    "كتابة الجسد" واحدا من المصطلحات التي شاعت مع الضجة الإعلامية التي صاحبت تناول أعمال بعض الكتاب المصطلح على تسميتهم بجيل التسعينات، والتي تم تناولها بالكثير من الدعائية ودون قراءة نقدية حقيقية. وبالرغم من أن مصطلح كهذا قد يوحي لمن يقرأه أو يسمعه أنه بصدد ظاهرة من الكتابات المحتفية ببحث تأمل علاقة الفرد المعاصر بجسده، ودلالات هذه العلاقة في علاقة الفرد بالسلطة مثلا، أو بالتعبير عن ظاهرة كتابة إيروتيكية تمثل تيارا جديدا في الكتابة بكل ما يحيل إليه ذلك من مضامين جمالية واجتماعية وأدبية، أو ربما بحث ثورة كتابية ترتأي في حرية الجسد او الثورة الجنسية ثورة موازية وتجد امتداداتها في الكتابة.

    غير أنني لا أظن أن هناك تيارا أدبيا من هذا النوع، بطبيعة الحال، في الأدب المصري كله، وأظن أن المحاولات المتعسفة التي حاولت قراءة أغلب تجارب التسعينات انطلاقا من الربط المجاني بين تجارب الكتابة التسعينية التي تعبر عن آفاق ذاتية وربط الذاتية بالجسد قد اطلق هذا الكلاشيه الوهمي. بل وعلى العكس فإنني أعتقد أن كتابات جيل التسعينات في غالبيتها العظمى هي كتابات بيوريتانية أخلاقية طهرانية، تنأى عن الجسد وعن الإيروتيكي بامتياز، وباستثناء تجربة هناء عطية في مجموعتيها القصصيتين "شرفات قريبة"، و"هي وخادمتها" التي تناولت فيهما إحالات بالغة الحساسية حول الجسد الأنثوي تعبيرا عن ذاتيته، وفي بعض قصص مي التلمساني خصوصا في مجموعتها "خيانات ذهنية"، وفي جمل والتفاتات متناثرة في نصوص نورا أمين، وربما أعمال أخرى لا تمثل تيارا او ظاهرة، فإنني لا أستطيع أن أتذكر نصا مؤثرا يتناول الجسد بالشكل الذي يمكن الخروج منه بدلالات خاصة في موضوع كتابة الجسد.

    لست مهتما هنا على أي حال برصد موضوع كتابة الجسد نقديا، لكنني أود التأكيد فقط على أن الجسد في مصر قد ظلم ظلما بينا في المجتمع تماما كما في الكتابة، وأن الكتابة عن الجسد ربما تحتاج إلى الكثير من الدرس والتأمل وهو ما اشعر به من خلال العديد من التداعيات التي كانت ولا تزال تناوشني خلال مرحلة أوشكت فيها من الانتهاء من مجموعة قصص إيروتيكية تحاول أن تحتفي بالجسد بوضعه في اختبارات وجودية مختلفة.

    حين قفز الجندي الملتاث في الهواء ليسقط بحذائه العسكري مرتطما بجسد الفتاة، مثنى وثلاث ورباع، التي نعرفها اليوم باسم "ست الكل" والتي عرت ذكورية المؤسسة العسكرية والمجتمع المصري كله، ونعم "كلّه" مع سبق الإصرار، كاد قلبي أن يتوقف من فرط العنف الذي كان الجندي الملتاث؛ غِلّاً ومقتا وعنفا، يوجهه للجسد الأنثوي المتكوم على الأرض بلا حول أو قوة ليتلقى طعنات الركلات المذعورة باستسلام.



    وسوف ستظل هذه اللقطة نموذجا للعار الذي كلل مؤسسة السلطة العسكرية الحاكمة في مصر في المرحلة الانتقالية خلال الثورة، وللأبد، لكنها ستكون في الوقت نفسه أيقونة من أيقونات الحماس الآني والمستقبلي لاستعادة إنسانية هذا المجتمع التي أهدرت بجهد منظم على مدى عقود.
    هذه اللقطة تعبر، في الوقت ذاته وبامتياز، عن مدى احتقار المجتمع المصري كله للجسد البشري، وتتضافر مع مجموعة أخرى من الصور التي لا تبدأ عند الجندي التافه الذي تفاخر بالتبول على المتظاهرين، ولا تنتهي عند ظواهر المخصيين معنويا ممن تحرشوا بالمتظاهرات في أكثر من مرة خلال العديد من الاعتصامات والتظاهرات، خصوصا تلك المعنية بالتعبير عن رفض النساء في مصر لظاهرة التحرش الجنسي.

    في عام 1919 خرجت المصريات الثائرات مع إخوانهم من الشباب والرجال مطالبات بعودة الزعيم المنفي سعد زغلول، ممسكات بعلم مصر، وصارخات بشعارات الحرية والثورة ضد المستعمر، أغلبهن ارتدين الزي التقليدي، الشائع آنذاك، ممثلا في العباءات والبراقع، وكثيرات منهن كن سافرات خصوصا طالبات المدراس .هؤلاء الثائرات واجهن بنادق العسكر ببسالة، ولم يخمد ذلك من حماسهن للثورة، بل تقدمن في المواجهة وتعرضن للإصابات، واستشهدت منهن الكثيرات، لكننا لم نسمع او نقرأ عن تحرش الثوار بهن من جهة، ولا تعرضهن للتحرش من قبل جنود الاحتلال او سواهم.

    وفي عام 2012، اي بعد ما يناهز القرن، وبعد أن اصبحت أزياء الرجال والسيدات متماثلة (البنطلون والقميص او التي شيرت) تعبيرا عن رفض المجتمع للتمييز بين الجنسين، تُفاجئنا ظاهرة التحرش الجنسي الممنهج والمنظم من قبل البلطجية والمندسين تجاه حرائر مصر وسيداتها، والذي يباركه فصيل من تيارات الإسلام السياسي مثل الإخوان المسلمين وسواهم من خلال تساؤلهم عن اسباب نزول السيدات للتظاهر بدلا من الإدانة غير المشروطة للتحرش بوصفه امتهان لبنات مصر وسيداتها وامتهان لكرامة المصريين جميعا، تعبيرا عن المنهج الذكوري الذي لا يزال يحكم الذهنية السلطوية والشعبوية في مصر على السواء.

    في تأمل الصورتين يمكن أن نرى كيف تحول المجتمع من مجتمع متصالح مع ذاته، متقبل لوجود المرأة بين صفوف المواطنين، في ثورته على المستعمر، رغم أن نزول المرأة للشارع أصلا في ذلك الوقت، ولدى العديد من الفئات يعد ضربا من الخيال، إلى مجتمع مريض باحتقار الذات، يوجه احتقاره لذاته في انتهاك السيدات، وفي محاولة تحويل القهر الواقع عليه إلى جسد المرأة، كأنه يحاول نقل القهر من مستواه الذي يخص العنصر البشري بكل طوائفه إلى حلقة الجنس، بإسقاط ما يتعرض له من انتهاك إلى الجسد الأنثوي.

    في مجموعته القصصية البديعة "الموت يضحك" يرسم المبدع محمد المخزنجي صورة إنسانية بالغة الحساسية لتصوير هذا التناقض في كراهية الجسد في قصة "أمام بوابات القمح" حين ينشغل الراوي وعدد من الفتيان بالفتاة "زمزم" التي تسقي العمال، وتداعب خيال الفتيان بجمالها، وتشغلهم بكونها الفتاة التي تقبل على العمال العطشى ولا تلتفت إليهم فيقررون من فرط انشغالهم بها وحسرتهم ويأسهم في الوقت نفسه من تمنعها عليهم ان يقتلوها، وهكذا يتربصون بها وهم ممسكين بسكاكينهم ويتأهبون بعنف أجسادهم، لكنهم يباغتون في ذروة انفعالهم الهمجي والعنيف عند أولى احتكاكاتهم بالجسد الغض الفتي، بالتشوش وتباين مشاعرهم وانقلابها ، بين لحظة واخرى، إلى حال من النشوة والهيام فترتخي قبضاتهم على السكاكين، وتتقلب ارواحهم من ذروة الكراهية إلى النقيض.

    وحين أتأمل هذا التناقض من جهة، وطابع العدوانية الذي يمثل ظاهرة التحرش لا يمكنني ان أرى فيها سوى حلقة من حلقات العدوانية التي يوجهها الفرد لذاته، عبر ترسيخ لثقافة احتقار الجسد، وكراهيته، كتعبير لاواعي عن احتقار الذات.



    اذا استثنينا الجيل الجديد من الشباب والفتيات ممن يظهرون لونا من ألوان الاهتمام بالجسد على مستوى الحفاظ على الرشاقة والرياضة، والعناية بالزينة، وهم استثناء بين الثمانين مليونا، فإن الصورة العامة للجسد المصري هي صورة لمجتمع يمتلك أجسادا مترهلة ممتلئة بالشحوم وبالتثنيات والتغنضنات التي تتسبب فيها عادات التغذية السيئة، إما بسبب الفقر أو الجهل أو كلاهما معا.

    أجساد مرتخية، كأنها تعبر عن حال من الاستسلام التام لمصيرها، وللسلطة التي تمارس عليها أبشع ألوان القهر والتجويع والتغييب العقلي، ورفض كامل لأي محاولة لنقد الذات، أو تأملها حتى في المرايا، وتماه مع الصورة العامة التي يشكلها هذا الجسد المريض المبتلى بأمراض مزمنة عدة، من السكر وضغط الدم إلى التهاب الكبد وامراض القلب.

    أجساد تعبر عن أزمة حقيقية لمجتمع يتخلى عن أي مسؤلية تجاه جسده بوصفه وعاء الروح ومستودع النفس، ولا يرى نفسه في الصور التي تقدمها الشاشات لنجمات السينما ونجومها رموز الرشاقة والعناية بالبدن، فمقابل أحمد السقا ومصطفى شعبان وأحمد عز، مثلا، كنماذج لنجوم الرشاقة والصحة والأجساد المعتنى بها، هناك أيضا صلاح عبدالله وأحمد رزق مثلا، وهما نجمان لا شك أن الكثير من المصريين يرون فيهما تجسيدا لهم على المستوى الجسدي. وبالتالي فلا يؤرقهم كثيرا أن يروا صور النجوم المثاليين.

    ففي المظهر الرياضي الرشيق للأنثى أو الرجل تأكيد على ارداة الذات، وعلى الفعل، وعلى ضبط الجسد، والسيطرة عليه، وبالتالي السيطرة على الذات في مواجهتها وفي مواجهة المجتمع والسلطة، بينما ما يميل إليه الفرد هو النقيض: اللاإرادة، الاستسلام للقدر والمصير، شكلا ومضمونا.

    ومع انتشار ظاهرة التحجب الشكلي التي لا ترتبط بأية مظاهر للتدين، يبدو أن المجتمع المصري قرر أن يعبر عن كراهيته لجسده بطمس هذا الجسد وإخفاء ملامحه وتشوهاته عبر الحجاب والنقاب والاسدال وسوى ذلك من مظاهر الحجب الجسدي، وبهذا يمكنه أن يمتنع نهائيا عن نقد ذاته أمام جسد مخفي بلا وجود.

    في الفترة التي سبقت سقوط مبارك حين كنا جميعا، من يقف في الميدان وخارجه، ننتظر بفارغ الصبر لحظة السقوط التي كانت رغم اليقين في اقترابها بعيدة ونائية، كتبت أنه "كما تكونوا يولى عليكم"، محاولا ان اطرق الرؤوس والعقول وأقول لا تسقطوا الخطايا كلها على الرجل الآثم وهو آثم فعلا، وتأملوا خطاياكم في الوقت نفسه، وجاءني تعليق من صديقة ثورية شعبوية قدمت لي عبره نقدا يقول بأننا لا يمكن أن نكون بهذه البشاعة.


    هالتني الصورة التي تتخيلها أو تتوهمها فتاة من فئة تعبر عن المعارضة وتمثل صوتا ثوريا بامتياز، إذ تحاول أن ترسم لنفسها ولجموع الشعب المصري صورة مثالية مزيفة عن ذاتها وعن هذا الشعب الذي يتجلى اليوم مدى التفاوتات الكبيرة في وعيه وإدراكه وانتماءاته وفي سلبياته أيضا، وبينها حال المازوخية التي تقبل بعودة رمز من رموز النظام المخلوع بدعوى رفضها للإسلاميين أو بدعوى الاستقرار وما شابه. بل وتتجلى سلبيات ثواره أنفسهم، بل ومثقفيه، في تشرذهم واختلافاتهم التي لا تنتهي، وتجعل من ائتلاف شباب الثورة فروعا يعبر كل منها عن قرار فردي لا يلتزم به الآخرون!
    هل نحن بهذه البشاعة؟ الحقيقة أننا لا نتأمل ذواتنا فعلا لكي نجيب على السؤال، أو حتى لندرك أننا حين نردد مثل هذه المقولة نتماهى مع خطاب السلطة الفاسدة الذي يردد كلاشيهات عن الريادة وعن الإصلاح ليزيف لنفسه أوهامه التي يغذي بها مبررات استمراره في التحكم في مقادير العباد، ويزيف لأتباعه صورا ساذجة يحاول بها أن يخفي الصورة الحقيقية، حقيقة أنه قاد المجتمع المصري بامتياز إلى هاوية الرجعية والتخلف.

    حين عرّت فتاة شابة نفسها ونشرت صورتها العارية على مدونتها قامت قائمة الجميع، أدانت الفتاة وجردتها من قوائم الحشمة التي يدعي المجتمع المصري ملكيتها بامتياز، مستعميا نفسه عن تناقضاته الفاحشة والفاجرة في كثير من الأحيان، كما نزعت اسمها من قوائم التدين والأخلاق الرفيعة التي يزعم المجتمع امتلاكها ايضا بامتياز. ونزعوا اسمها من قوائم الثورة إذ ألقى بها الثوار خارج الميدان ! بل حتى المثقفين أصابتهم صدمة، ولم يعرفوا كيف يتعاملون مع الموقف. هل يضعون الفتاة في منطقة الإدانة، أم يضعون، هم بأنفسهم، سقفا أوحدودا لحريتها، ليباغتوا بوجودهم في نفس الخندق الذي يقف فيه من يضعون الحدود لنا كل يوم لكي نرى أو لا نرى أو نقرأ أو لا نقرأ ما يتصورون انه الواجب والحق ونقيضه الحرام والضلال.


    وهكذا يدور المجتمع في دائرة مرضه المزمنة، البحث الدؤوب عن مكامن ضعف الآخرين وسلبياتهم وانتقادها بعنف يلوذ به الفرد فرارا من انتقاده لذاته، أو توهم المثالية فطالما يشير إلى سلبيات الآخرين فهو ضمنيا يقول بأنه لا يمتلك مثل تلك السلبيات وانه ينتمي إلى فريق المتطهرين وأهل الصواب.
    في مجتمع كهذا يكون من الطبيعي جدا خلو قاعات الفنون ومتاحف الدولة من الفن العاري، كما يكون طبيعيا أن تكون المؤسسة المسؤلة عن تخريج الفنانين الأكادميين تفتقد رسميا لمنهج رسم الموديل العاري الذي يعد اساسا من اسس التدريب على التشريح كجزء تقليدي في كل مدارس ومناهج الفن التشكيلي في العالم. كما يكون بديهيا أن يتنصل حتى كبار الفنانين من أعمالهم العارية إن وجدت، كما فعل مثلا فنان كبير بقامة الفنان الراحل بيكار، والذي اشتهر في مرحلة من حياته، مثل أغلب فناني جيله بلوحات عارية، تنصل منها في حوار أجريته معه بمناسبة تحقيق اجريته عن منع الموديل العاري في كلية الفنون قبل سنوات من رحيله.

    وبالتالي أيضا ليست لدينا دراسات محترمة تتتبع جماليات الجسد المصري والعربي إجمالا، وتتلمس طبيعة التغيرات التي طرأت على مقاييس ذلك الجسد جماليا وبحث طبيعة التحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أثرت على الفرد حتى يمر بهذه التحولات الجسدية.


    وحتى حين أصدرت الشاعرة اللبنانية جمانة حداد مجلة "جسد" كأول مجلة من نوعها تحتفي بالجسد وثقافته، لم تجد سوى الثقافة الغربية لتنتهل منها، فبدت المجلة في أعدادها الأولى وكأنها تعبر عن جسد آخر، جسد متحرر غير معوق بالممنوع والتابوهات ما جعل السؤال ملحا :"أي جسد هذا الذي تعبر عنه المجلة؟" وأين هذا الجسد الحر الجميل المتعالي عن التابوهات من الجسد المراق دمه، والمنكل به والمنتهك في اقسام الشرطة والسجون؟ والمذبوح غيلا وغدرا من أجهزة المخابرات والأمن السرية في ارجاء الوطن العربي، والمقموع من الحركات التطهرية التي تمارس السلطة الدينية على البشر باسم الآلهة؟ وأين هذا الجسد المتنعم من أجساد منعتها انعدام الحقوق الأساسية مثل توافر المياه والفقر من النظافة حتى ولن اقول من وسائل التزين والتجميل؟
    في النهاية جمانة تعبر عن جزء من ثقافة المجتمع اللبناني، أما مصر التي اهتم برصد الظاهرة فيها هنا الآن وهنا فليس بها حتى "جسد" ولا يحزنون.

    على تويتر تقول فتاة امريكية من بين آلاف الحسابات التي أتابعها على الشبكة الاجتماعية الشهيرة، أنها تمارس الرياضة ليس من أجل الصحة، بل من أجل أن تشعر بأنها مثيرة حين تقف عارية أمام المرايا. الفتاة تقول ذلك وهي تمتلك حسابا باسمها الحقيقي، وهذه الجملة على بساطتها تتحمل بدلالات تشير إلى شفافية المجتمع الذي تنتمي إليه، وعن قدرة هذا المجتمع ورغبته في تحمل مسؤلية الفرد فيه تجاه نفسه اولا وإزاء مجتمعه أيضا، فما الداعي لاختيار القبح الجسدي ودعمه باسم الدين والحشمة وتجاهله بالهروب من المرايا إلى عتمة الحجب والستائر؟

    في المقابل طبعا ليس من المتصور إمكانية أن نرى نرى فتاة عربية تفعل ذلك إلا فيما ندر، وإن فعلت فباسم وشخصية وهميتين، وهنا سوف تنتقل من مجرد مكاشفة الذات إلى نوع من الهيستريا في التعبير عن الشهوات والتعبيرات الماجنة، ولا يمكنها ربما حتى أن تتعرض للانتقاد، طالما أنها تخفي هويتها، وإن فعلت فسوف يكون مصيرها مثل مصير علياء المهدي في أفضل الأحوال.

    في مجتمع كهذا لا يبالي بالقبح بل ويتستر عليه لن يكون من المفاجيء ان نرى اعتياده على القبح في كل شيء، في الطرقات وفي الأبنية التي اسودت من فرط ما اغتبرت، وفي الوجوه التي لا تقرب الماء إلا لماما، وفي أكوام الزبالة التي لا تلفت انتباه أحد ولا تحرك ضميره، وكما أن الجسد وعاء الروح فإن الواقع المادي القبيح الذي نعيش فيه هو وعاء أجسادنا ومسلكنا.

    إن مجتمعا يفوح فيه القبح على هذا النحو هو مجتمع غابت منه المرايا بامتياز، بينما تكسر وتشرخ ما وجد منها عن عمد، ولا سبيل لإحياء جماله إلا باستعادة كل فرد فيه لقدراته على نقد ذاته، وتقبل جسده كإناء لروحه، واستعادة الروح الفردية التي ترى في جسدها جزءا من إرادتها الحرة، وفي استعادة ثقافتنا لتراثها الخصب في رعاية الجسد والوعي بمركزيته في مواجهة العالم وفهمه، هذا التراث الذي فصل كل جزء من أجزاء الجسد في بيان جماليات جسد المرأة والرجل، وأخيرا وليس آخرا لا سبيل لإحياء جمالالمجتمع وأفراده سوى في توازي ثورة فنية وأدبية، مع الثورة الشعبية التي أعادت لنا الروح، لكي تعيد للجسد العربي مكانته التي امتهنت لعقود.



    إبراهيم فرغلي


  • ظاهرة الكتابة الايروسية عند المرأة

    في مقال للدكتور مصطفى عطية جمعة بعنوان ” أدب الجسد” والذي نشر في جريدة القبس الكويتية كتب د. عطيّة : شاع مصطلح كتابة الجسد في الأوساط الأدبية في السنوات الأخيرة وهو يعني أن يعبّر الأديب عما هو موجود وملموس حسّي بالنسبة اليه ومن هذا الحسّي جسده ، هذا البناء العضوي الذي حوينا ونتعايش به ونتلذّذ بحواسه .

    وطرحوا فكرة التعبير عن أجسادنا بكل أعضائها دون تفريق بين عضو وآخر، يستطيع القارىء الفطن أن يعي أن هذه الفكرة تحمل في ثناياها مفهوما علمانيا ماديا أساسيا أي لا للروح ولا للتعبير عنها انما التعبير عن الجسد المادي فقط وأنّه لا قيود أخلاقية على الكتابة الجسدية فالمنظور ثابت ، نعبّر عن كلّ جسدنا ولذائذه مثل الطعام والشراب والجنس .

    يضيف. مصطفى عطية : وكالعادة انتقل المصطلح الى أدبنا العربي فكان أن ظهرت موجة كبيرة بين الشعراء والقصاصين تبنّت الكتابة الجسدية واشتدت الموجة أكثر بظهور رواية الخبز الحافي للكاتب محمد شكري وهي سيرة محرمة ونشرت في فرنسا وباللغة الفرنسية قبل العربية ولاقت رواجا وشهرة ببيع عشرات الآلاف من النسخ .وعلى الجانب الآخر ( الأنثوي) ظهرت الكاتبة أحلام مستغانمي بروايتها ( ذاكرة الجسد) بتعاطف من العلمانيين العرب معها والتي تحكي سيرتها الجنسية كامرأة ، على أنها مقموعة في مجتمعها الشرقي الذكوري ” .

    أكتفي بهذا القدر فالمقال طويل ويحتاج لوقفة ، وفي رد لي على مقاله والذي نشر في قسم الدراسات والنقد في ( منتديات قناديل الفكر والأدب) وبعد أن نشره د. مصطفى في المنتدى قلت أخالفك الرأي د. مصطفى بقولك : انّ التعبير عن الجسد بكل أعضائه هو مفهوم علماني مادي ليس له علاقة بالروح ، انه موضوع خطير عندما يتعلّق بجسد المرأة ولغة المرأة ، التركيز في أدب الجسد أو الأدب الايروسي الذي أطلق على أدب المرأة في المدة الأخيرة على عضو دون غيره والتعبير عنه بلذة هذا ما يدعونا للقلق ، لكن أن نعتبر الجسد بكل أعضائه ككل أرى في ذلك علاقة وطيدة مع الروح ، لأننا هنا نفقد معنى اللذة كجنس وندخل في عوالم الحواس بكل مشاعرها ، فالمشاعر لا يمكن أن تنبت داخل جسد وتنمو الاّ اذا رافقتها الروح . انّ التعبير عن الجسد ككل لا يتوقف عند لذّة أعضائه أبدا ، انما يجعل لهذه الأعضاء قيمة ووظيفة باعتراف وجودها وحقها علينا ولا يمكن انكار القيمة والوظيفة لهذه الأعضاء ، هذا بعيد كل البعد عن التشبيه بلذّة الطعام والشراب والجنس ، نحن مجتمع تربّى على القيم وأنا أحترم ذلك لكن أن يعيش الانسان في ذات مكبوتة ولا يمكنه التعبير عن أحاسيسه ومشاعره هذا اجحاف بحقه وبحق جسده ، لا أدعو لاباحية التصوير في الأدب عن تفاصيل الجسد انما أؤكّد أنّ معظم الروايات التي تكلّمت عنها في مجتمعنا العربي كانت بأسلوب خانق ومحاصر خاصة بقلم الأنثى ، أما تطرقك لمحمد شكري وروايته الخبز الحافي ، فأعتبرها سيرة ذاتية ورسالة للمجتمع عن استغلال الجسد من أجل الحصول على رغيف الخبز ، وقد منع طبعه أولا بالعربية لأن المجتمع العربي ليس له معرفة عن مفهوم التعبير عن حاجة الجسد لأي من الأسباب بل اعتبره شاذا وبذيئا واعتبرت روايته جنسية .

    والآن أضيف : ليس من منطلق الدفاع عن الأنثى وليس دفاعا عن ما تكتبه المرأة عن الجسد انما لهذه الهجمة والاتهامات التي يكيلونها على هذا النوع من الأدب حتى النقاد والمثقفين ينظرون الى أدب الجسد عند المرأة أنّه محرّم وهنا يراود ذهني ما قاله الكاتب سعدي يوسف عن علاقة الانسان بالجسد وعن اعجابه بالشاعر اليوناني (يانيس ريتسوس) والذي ترجمت له مقاطع وأشعار من أدب الجسد أو ما يسمى ( الايروتيكا في الأدب) : وأنا أقرأ شعر ريتسوس أحسّ أنّ وراء القصيدة جهدا عظيما وروحا مصفّاة وما نلمسه أيضا في قصائد ايروتيكيا أنها وجه آخر لذلك الألق والتوهّج ، كأن الجسد داخل معصرة الجلد ، واللغة تترقرق على سواحل سرير اللذة وآتي بأمثلة ترجمها الشاعر والمترجم هشام فهمي في موقع( الحافة) عن أدب ريتسوس :


    * جسدك غير مرئي / قابل للّمس / عصفوران تحت ابطيك / صليب على نهدك ولا موت /
    * * ألمس أصابع قدميك / كم هو متعذّر على هذا العالم أن يحصى …/
    وهنا أتساءل هل يحق لرجل أن يكتب ما يشاء ؟ وهل نحن فعلا أخذنا من الغرب هذا المصطلح ، هل جسد المرأة العربية يختلف عن جسد المرأة الغربية ؟ وماذا عن العقل ؟ وهل ما كتب من روايات وقصص وأشعار بقلم الأنثى عن الجسد يعتبر مهينا الى هذا الحد ليخرج شيوخ القبيلة من أقبيتهم ، ولينزل الأمراء عن عروشهم ، ولتفتح نوافذ الأدب المترهل الفاضح الذي يعرّي الجسد؟
    لقد اعتبر البعض أن كتابة المرأة عن الجسد من المحرّمات ومن الممنوعات ، واتهموها بتفريغ شهواتها نتيجة الكبت ، والحصار ، والقمع الذكوري ، وأتوقف عند نقاط ربما ألخص من خلالها رأيي في الموضوع الذي يثير جدلا في الأوساط الأدبية والذي علينا قبل التطرّق للموضوع أن نعتبرها مفاتيح للأسباب ، وللاتهامات ، وللتحريض ، والتشهير :

    1) احترام الجسد
    2) نظرة الرجل الشرقي للمرأة …
    3) علاقة الانسان بجسده
    4) التربية في التعامل مع الجسد
    5) علاقة الرجل بالمرأة
    6) كيف تتقبّل جسدك
    7) المرأة الآلة التي لا تتعب
    8) حق الجسد علينا
    9) التغذية والجسد


    وأتساءل هل الرجل الشرقي تربّى تربية صحيحة عن ثقافة الجسد واحترامه لجسده ، وكيف ينظر الى المرأة ؟ انّ ( عملية الختان) والتي نفّذت بالمئات والآلاف من الفتيات في سن مبكّرة ظنّا أن الختان يجعل من جسد المرأة جمادا بدون مشاعر ولتفقد عنصر الشهوة واللذة ، وبذلك تبقى الأنثى الجسد المباح للرجل من أجل التناسل فقط وليس في ذلك أي احترام لجسد المرأة الذي امتدت اليه أيدي قاسية لتعبث بمكان حساس هو ملكها ولها ومن حقها ، وعندما كتبت الأديبة نوال السعداوي عن موضوع الختان في قصصها قامت الدنيا ولم تقعد لأن ذلك يثيرحفيظة الرجل المتزمت ، الذي لم يتربى على مفهوم علاقته بجسده ، للأسف الشديد معظم الرجال في مجتمعنا ينظرون للمرأة كجسد فاللقاء الأول بينهما ليس تعارفا فحسب وانما ( الى السرير) لأن الرجل داخل مجتمع شرقي أيضا يعاني من الكبت وليس فقط المرأة ومن هنا علاقته بجسده لا تتعدّى موضوع التغذية والشراب ،، وفي هذا أيضا ونحن كلنا مخطئون اذ لا نربي أولادنا وبناتنا منذ الصغر عن العلاقة الحميمة بينهم وبين أجسادهم ، علاقة احتواء وحب ، ورضا ، وعطاء ، وأنّ ملامسة الجسد في سن صغيرة تعني اكتشافه لنفسه ، والتقرّب منها ، أرى أن التربية بالتعامل مع الجسد ككل هي تربية صحيحة اذ هنا العلاقة ليست التعبير فقط عن لذة ونشوة وانما اتحاد بين الروح والجسد . لم يعتد لا الرجل ولا الأنثى بمجتمعنا المكبوت أن يتقبّل جسد الآخر ويحتويه حتى أنه يخال للرجل أن المرأة جسد في الفراش وهو المنفّذ ، عليها مهمة ويجب أن تتمها على أكمل وجه ، والسؤال الذي يتبادر للذهن : هل عملية التوحّد بين جسدين ليس لا علاقة بالروح ، بالنفس البشرية ، بالكائن الحي الذي يختلف عن الحيوان بعقله والذي لا يتعاطى مع هذه العلاقة بشهوة الغريزة الموجودة عند الحيوان ؟ وكأني بالمرأة آله لا تتعب وعندما تنتهي مهمتها توضع في مخزن لقطع الغيار ويشترى مكانها ، حتى في عصرنا هذا تقبّلنا لأجسادنا فيه الكثير من الحدود ، فيه الكثير من الممنوع ، فيه الكثير من التردّد ، اذ أنّ اكتشافنا لأجسادنا في سن صغيرة ومنعنا من الاقتراب ولمس الأعضاء كحب استطلاع أدى بهذه العقلية أن تتفاقم ويغيب عن الذهن أنّ المجتمع هو السوط والجلاد لامرأة تبوح بوصف جمال جسدها والتعبير عن مشاعرها بصدق ، فهل اذن أن ( هذه الظاهرة) في الأدب هي حقا لها علاقة بالايروسيا أم أنها تتوقف عند حدود معينة ، وهل سببها الكبت ؟ أو الشهرة ، أو التنفيس عن غربة النفس داخل مجتمع يبيح لنفسه الاستمرار بقراءة ( ليلى والذئب) ويضع حدودا لمسافات الغابة التي تقطعها ليلى وهي تحمل سلّتها المليئة بالكعك ؟

    المرأة حين تكتب ، تكتب بصدق وان كتبت فهي ربما تعرّي المجتمع الذكوري من جرمه بحقها وبحق جسدها ، ورسالة الأديبة أو الأديب على حدّ سواء ليس الشهرة ولا الاغراء ولا الأضواء انما رسالة كلّ منهما ( رسالة اصلاح اجتماعي) ونحن بحاجة لهذا الاصلاح ليس فقط جسديا انما فكريا فالجسد والروح لن يكتملا الاّ اذا قادهما فكر متّقد ، متحرّر ، مكتمل ، فهل نستطيع الحصول على اشباع روحي وفكري دون اشباع حاجات الجسد .

    انّ المتزمتين والذين يشيّعون بأصواتهم أن أدب الجسد هو ايروسي فقط تجاهلوا العلاقة القائمة بين الجسد من جهة والعقل المتمم وهنا تشكيل الانسان ككل روحيا وماديا .
    ويبقى السؤال هل نحن أمّة تتلذّذ بحواس الجسد فعلا ، وكيف ويا للسخرية ونحن نعاني من خواء وفراغ فكري وروحي ؟

    حين قرأت رواية ( حكاية زهرة) للكاتبة حنان الشيخ والتي اعتبرها البعض خارجة عن مبادىء الكتابة ( النسائية) وكأنّ الكتابة تفرّق بين قلم أنثى ورجل ،، وجدت أن الكاتبة لم تكتب سيرتها الذاتية في أحداث الحرب في لبنان بقدر ما صورت استغلال الرجل لجسد المرأة حتى في وقت الحرب والدمار ، تحت الدرج ، وفي القبو ، روايتها بمشاهدها المؤلمة جاءت لتعرّي نظرة الرجل حين تأتيه فرصة لتتورط معه امرأة ،، ! أحلام مستغانمي في ( ذاكرة الجسد) وفوضى الحواس اتهمت بتعرية الجسد ولم ينظر النقاد اليها الاّ كسيرة ذاتية تعاني كاتبتها من الكبت والشوق لحضن رجل ، وأسألهم : هل فهموا مدى علاقة أحلام مستغانمي بجسدها ؟


    الكاتبة والروائية ليلى العثمان في روايتها ( صمت الفراشات) هل جسّدت المشاهد لعلاقة بين فتاة ورجل بسن والدها علاقة ( ايروسية) ؟ لا ،، وألف لا ،انها أوصلت رسالة فاضحةعن مجتمع ما زال يتعامل مع جسد المرأة كسلعة تباع وتشترى ، وفي نفس الوقت محرومة من التعبير عن أحاسيسها لتلتزم الصمت تحت مقصلة المجتمع الذكوري الذي يمنع منها اطلاق صرختها ،فتلتزم الصمت ، صمت الفراشات في عمر الصبا ، في موتهن على سريرالشهوة ، وحكم القوي ، الأب ، والأخ ، والزوج .. ماذا اذن هل تصمت المرأة الكاتبة لأنها تعرّي هذا المجتمع ؟ هل تصمت كي تنقاد لمجتمع مكبوت ؟ هل تصمت لأن حدود اللغة تجبرها أن تعود أدراجها وتلعق معاناتها وهمّها الأنثويّ ؟

    للأسف نحن ننقاد وراء عقلية متوارثة عبر العصور ، انقياد أعمى يخاف من الانفتاح الثقافي والاجتماعي والتكنولوجي الذي يحدث في العالم ، انقياد يلتزم التستر وراء أقنعة غبية آن لها أن تسقط ، انقياد وراء القبيلة ، والحارة ، والقرية ، والحرام بالسر .

    المرأة الكاتبة أثبتت أنها تستطيع مضاهاة الرجل المبدع بمعظم أنواع الفنون والأدب / الشعر ، القصة ، الرواية ، والأبحاث العلمية ، والتاريخ .

    وهمسة : دعونا ننظر الى الأعمال الأدبية نظرة خالية من هذه المفاهيم الاّ للخارج عن الآداب والسلوك منها ، وأن نتعامل مع الأدب كلغة وأسلوب وجمال ، وابداع ولا شك أنّ العمل الناجح لا يتوقف عند مشهد في رواية قد تخطّى المفهوم المتعارف عليه انما أن ننظر للعمل ككل كما ننظر لاحتوائنا أجسادنا ككل وليس النظر الى الجسد كل عضو لوحده ، وأن نتوقف هنا ونتردد ..!









  • الادب الايروتيكي في التراث العربي



    حفلت مكتبتنا العربية الاسلامية بالمؤلفات التي درست العلاقة بين الرجل والمرأة، ان كانت تلك العلاقة تفضي الى الزواج الشرعي، وما اسماه الشرع بالنكاح،او الباه، او كانت تفضي الى الممارسات الجنسية غير الشرعية، او كانت تلك العلاقة علاقة حب وهوى وعشق وهيام فحسب .

    وكنا الى زمن قريب، نظن ان المكتبة العربية خالية من هذه المؤلفات التي تدرس تلك العلاقة - مهما كانت المعالجة التي عالجتها،علمية،او ادبية، او كانت ممزوجة بصور اللذة والشهوة الجنسيتان- بعد ان قرأنا الكتب المترجمة من اللغات الاجنبية، الا ان الكثير من المحققين ودور النشر، قد حققوا ونشروا مؤخرا العديد من تلك المؤلفات التي تتحدث عن الجنس بصيغتة الشرعية،او غير الشرعية، وكان اغلب مؤلفيها من رجال الدين الاسلامي .

    ***

    يعرّف الجنس بأنه: (جملة الخصائص التشكّلية والفيزيولوجية العضوية التي تؤمن التكاثر الذي يتلخص جوهره بالإلقاح في نهاية المطاف).(1)

    وهو كذلك: (غريزة في الانسان مثل غيرها من الغرائز التي تتحكم به والتي اهمها الاكل، والنوم، وكل هذه الغرائز تهدف الى غاية واحدة هي بقاء حياة الانسان على الارض). (2)

    هذين التعريفين يتسقان ومعناه في كل الاديان السماوية والوضعية، اذ ان غايته هو تكاثر النوع .

    يقول كولن ولسن: (الجنس هو احد اقوى الرغبات التي يجربها الانسان). (3)

    فيما ترى الكاتبة الاجتماعية المسيحية الامريكية ان موضوعة الجنس هي (الذكورة والانوثة).(4)

    يقول فرويد: (ينفصل الجنس اولا عن ارتباطه الصميمي بالاعضاء التناسلية وينظر اليه كوظيفة جسدية عامة تبغي المتعة ومن خلال ذلك فقط تسهم إعادة إنتاج النوع).(5)

    والجنس، ينقسم من حيث المعنى الى قسمين، الاول معناه العام، والثاني معناه الخاص .

    فالمعنى العام للجنس هو:الذكورة والانوثة، أي معناه البيولوجي، اما معناه الخاص فهو: الممارسة الجنسية، وما يحاط بها - بدء وانتهاء - من احاسيس ومشاعر انجذاب الى الاخر، وما يتداخل معهما من افعال، أي المعنى الاجتماعي.

    وان تأكيد فرويد على ان الاحاسيس الجنسية لا تنحصر مطلقاً بالتناسلية (6)، صحيح الى حد ما عندما ننظر الى دور الكثير من المناطق المثيرة للجنس في الجسم البشري – خاصة الانثوي –، الا ان الكتاب العرب الذي كتبوا لنا هذا الكم الهائل من المؤلفات، ناقشوا عمل تلك المناطق على انها مكملات للعملية الجنسية التي ستؤدي الى خلق النوع .

    ان الدراسات العربية والغربية – على السواء - قد درست الجنس على انه يهدف الى حفظ النوع،الا انهما تناولاه ايضا على انه علاقة اجتماعية لا تحكمها هذه الغاية.

    والجنس يعني النوع، يقول العرب: من جنس الشعر، أي من نوع الشعر. (كقولنا الإنسان والحيوان جنس، ينتج أن الإنسان جنس). (7)

    من بين الاسماء التي اطلقت على الجنس – في صورته العملية خاصة – هو الباه.

    وعلم الباه هو: (علم باحث عن كيفية المعالجة المتعلقة بقوة المباشرة من الاغذية المصلحة لتلك القوة والادوية المقوية والمزيدة للقوة او الملذذة للجماع او المعظمة او المضيقة وغير ذلك من الاعمال والافعال المتعلقة بها كذكر اشكال الجماع وآدابه الذين لهما مدخل في اللذة وحصول أمر الخيال الا انهم يذكرون لاجل اكثار الصناعة اشكالا يعسر فعلها بل يمتنع ويذيلون ذلك الاشكال بحكايات مشهية تحصل باستماعها الشهوة وتحرك قوة المجامعة وإنما وضعوها لمن ضعفت قوة مباشرته او بطلت فإنها تعيدها له بعد الاياس التعليق (...) وهذا العلم من فروع علم الطب بل هو باب من أبوابه كبير غير أنهم افردوه بالتأليف اهتماما بشأنه ومن الكتب المصنفة فيه كتاب الالفية والشلفية قال ابو الخير يحكى ان ملكا بطلت عنه قوة المباشرة بالكلية وعجز الاطباء عن معالجتها بالادوية فاخترعوا حكايات عن لسان امرأة مسماة بالالفية لما نها جامعها الف رجل فحكت عن كل منهم اشكالا مختلفة واوضاعا متشتة فعادت باستماعها قوة الملك انتهى ومثله في مدينة العلوم والايضاح في أسرار النكاح أي في الباه للشيخ عبد الرحمن بن نصر بن عبد الله الشيرازي وهو مختصر أوله الحمد لله الذي خلق الانسان من طين وانشد فيه عليك بمضمون الكتاب فإننا وجدناه حقا عندنا بالتجارب يزيدك في الاتعاظ بطشا وقوة ويحظيك عند الغاينات الكواعب قال في مدينة العلوم ومن الكتب الجامعة في هذا الباب كتاب رجوع الشيخ إلى صباه في القوة على الباه وكتاب رشد اللبيب الى معاشرة الحبيب وكتاب الفتح المنصوب إلى صيد المحبوب وكتاب تحفة العروس وجلاء النفوس وكتاب نصير الطوسي نافع في هذا الباب وقد طبع الكتاب الاول بمصر القاهرة في هذا الزمان فليعلم التعليق). (8)

    والباءة بالمد: (الموضع الذي تبوء إليه الإبل ثم جعل عبارة عن المنزل ثم كني به عن الجماع لأنه لا يكون غالبا إلا في الباءة أو لأن الرجل يتبوأ من أهله أي يتمكن كما يتبوأ من داره وقوله عليه السلام من استطاع منكم الباءة على حذف مضاف وتقديره من وجد مؤن النكاح فليتزوج ... الباءة مثل الباعة والباء النكاح وسمي النكاح باءة وباء من المباءة لأن الرجل يتبوأ من أهله أي يستمكن من أهله كما يتبوأ من داره ...باءة إذ أعرسا وفي حديث النبي من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أراد بالباءة النكاح والتزويج ويقال فلان حريص على الباءة أي على النكاح ويقال الجماع نفسه باءة والأصل في الباءة المنزل ثم قيل لعقد التزويج باءة لأن من تزوج امرأة بوأها منزلا والهاء في الباءة زائدة والناس يقولون الباه قال ابن الأعرابي الباء و الباءة والباه كلها مقولات ابن الأنباري الباء النكاح يقال فلان حريص على الباء). (9)

    و(الباء النكاح وسمي النكاح باءة وباء من المباءة لأن الرجل يتبوأ من أهله أي يستمكن من أهله كما يتبوأ من داره قال الراجز يصف الحمار والأتن يعرس أبكارا بها وعنسا أكرم عرس باءة إذ أعرسا وفي حديث النبي من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أراد بالباءة النكاح والتزويج ويقال فلان حريص على الباءة أي على النكاح ويقال الجماع نفسه باءة والأصل في الباءة المنزل ثم قيل لعقد التزويج باءة لأن من تزوج امرأة بوأها منزلا والهاء في الباءة زائدة والناس يقولون الباه قال ابن الأعرابي الباء والباءة والباه كلها مقولات ابن الأنباري الباء النكاح يقال فلان حريص على الباء والباءة والباه بالهاء والقصر أي على النكاح والباءة الواحدة والباء الجمع وتجمع الباءة على الباءات قال الشاعر يا أيها الراكب ذو الثبات إن كنت تبغي صاحب الباءات فاعمد إلى هاتيكم الأبيات وفي الحديث عليكم بالباءة يعني النكاح والتزويج ومنه الحديث الآخر إن امرأة مات عنها زوجها فمر بها رجل وقت تزينت للباءة وبوأ الرجل نكح) . (10)

    ***

    واذ اقدم هذه الدراسة الوصفية /الاحصائية – حسب طاقتي - لتلك المكتبة التي عنت بدراسة تلك العلاقة التي نسميها في زمننا الحاضر بالجنس (11)، فإنني اؤكد على ان ما احصيته من مؤلفات ليس هو المجموع والنهائي لها، لاسباب، منها: إما ان الكثير منها قد فقد، او لم تصل الينا، او انها ما زالت مخطوطة لم تصل اليها اقلام المحققين، اوانها لم تنشر بدعوى الحفاظ على الاخلاق، او بسبب منع الرقابة،و على انها من الادب المكشوف.

    وعلينا التأكيد على ان اغلب مؤلفين تلك الكتب، لم يجدوا حرجا في تسمية الاشياء بأسمائها، فهم صريحون في استخدام اللفظ الدال على اعضاء الجهاز الجنسي للذكر والانثى والمستخدم في الكلام العام، او ما نسميه بعورات الجسد،كما انهم صريحون بتلفظ اسماء العملية الجنسية ووصفها وصفا كاملا وصريحاً .

    يذكر الدكتور محمد خلف الله: (هناك ظاهرة في كتاب الاذكياء لابن الجوزي، رأيت ان اشير اليها لتفشيها في كتب الادب العربي، ولظهورها جريئة عارية في كثير من الكتب الكبيرة المتداولة، مثل كتاب الاغاني وعيون الاخبار، تلك ما يسميه الناس في هذه الايام الادب المكشوف فترى المؤلف- سواء أكان عالم أدب، أم عالم دين- يذكر اعضاء الجسم تصريحا لا تلميحا، ويكشف عن شؤون الجواري والغلمان كل مستور، وربما لم يجد حرجا في ان يصف احوال الجنس ما بعد استهتارا وفجورا،وقد يضيف احيانا من القرآن الكريم، تتمثل به هذه الجارية او تلك في مواطن غير صالحة ولم ار من مؤلفي الادب العربي من اعتذار لهذه النزعة في التأليف وحاول تبريرها إلا ابن قتيبة في الجزء الاول من كتابه عيون الاخبار، إذ بيّن أن ذكر عورات الجسم لا شيء فيه ما دام لا يتعدى حدود العلم، إلى القحة والفجور). (12)

    وناقش الجاحظ في اغلب كتبه قضية الجنس، وتوصل الى ان: الجنس امر مشاع بين االمخلوقات، الا ان الشرع قد قنن هذه العلاقة .

    اذن، فالتحريم جاء من الشرع وليس من طبيعة الاشياء.(13)

    ***

    ان الكتب التي وصلت الينا بعد تحقيقها ونشرها، تعتبر موسوعة في:

    1 –الآيات القرآنية التي تحث على الزواج، وقضايا الجنس الشرعي وغير الشرعي.

    2 – الاحاديث النبوية التي تعالج العلاقة بين الرجل والمرأة.

    3 – الشعر العربي المكشوف الذي تناول قضايا الجنس.

    4– الحكايات واخبار المحبين والعشاق ومن مارس العملية الجنسية، بصورة شرعية او غير شرعية .

    5- لغوية لكل الالفاظ المستخدمة لاسماء الاعضاء الجنسية للرجل والمرأة.

    6- لغوية لكل الالفاظ الخاصة بأسماء العملية الجنسية.

    وهناك كتب تناولت هذه العلاقة من الوجهة الشرعية الاسلامية، وقعدت اصولها وفروعها، وقدمت نظرة الاسلام لها، وهي كتب فتاوي رجال الدين من كل المذاهب الاسلامية.

    وكذلك،هناك كتب موسوعية تناولت هذه العلاقة من الناحية التاريخية والادبية والعلمية،ككتب:الاذكياء لابن الجوزي، الاغاني للاصفهاني،وبعض كتب الجاحظ، وكتاب عيون الاخبار،وكتاب طوق الحمامة في الالفة والالاف،وفهرست ابن النديم، وكشف الظنون، والكتابين الاخيرين حفظا لنا اسماء تلك الكتب، واسماء بعض مؤلفيها، ومضمون بعضها.

    وقبل ان اقدم وصفا لبعض مؤلفات الاقدمين عن هذا الموضوع، اود ان اذكر ان الكثير من المؤلفات الغربية قد استفادت منها، بسبب الحصول على مخطوطاتها قبل ان تصل الى محققينا ودور نشرنا، فترجم معظمها الى اللغات الاجنبية.(14)

    ***

    ولو تفحصنا مكتبتنا العربية الاسلامية، تراثنا النثري – فضلا عن تراثنا الشعري – لهالنا العدد الكبير من المؤلفات التي تناولت هذا الموضوع، وهذه قائمة ببعض ما وصل اليه البحث من اسماء تلك المؤلفات:

    كتب الجنس العربية: (15)

    1- كتاب الباه، للرازي .

    2- كتاب مرطوس الرومي في حديث الباه .

    3- كتاب الأكفية الكبير .

    4- كتاب الأكفية الصغير .

    5- كتاب بردان وحباحب، لأبي حسان الكبير .

    6- كتاب بردان وحباحب الصغير .

    7- كتاب الحرة والأمة .

    8- كتاب السحاقات والبغائين، لأبي العبس .

    9- كتاب الفه ابن حاجب النعمان ويعرف بحديث ابن الدكاني .

    10- كتاب لعوب الرئيسة وحسين اللوطي .

    11- كتاب الجواري الحبائب .

    12- كتاب الباه للنحلي .

    13- كتاب العرس والعرائس للجاحظ .

    14- كتاب القيان لأبن حاجب النعمان .

    15- كتاب الإيضاح فى أسرار النكاح .

    16- كتاب برجان وجناحب .

    17- كتاب المناكحه والمفاتحة في أصناف الجماع وآلاته لعز الدين المسيحي.

    18- كتاب الروض العاطر في نزهة الخاطر للنفزاوي.

    19- كتاب الفخ المنصوب إلى صيد المحبوب في علم الباه .

    20- كتاب رشف الزلال من السحر الحلال - لجلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 إحدى عشرة وتسعمائة من مقامته [ من مقاماته ] وهى في أحد وعشرين عالما تزوج كل منهم ووصف كل ليلته موريا بألفاظ فنه .

    21- كتاب ضوء الصباح في لغات النكاح لجلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي ذكره في فن اللغة .

    22- كتاب الافصاح في اسماء النكاح للسيوطي.

    23- كتاب اليواقيت الثمينة في صفات السمينة للسيوطي.

    24- كتاب مباسم الملاح ومباسم الصباح في مواسم النكاح للسيوطي.

    25- كتاب الايضاح في اسرار النكاح للسيوطي.

    26- كتاب الايك في معرفة النيك للسيوطي .

    27- كتاب نواضر الايك في نوادر النيك للسيوطي .

    28- كتاب شقائق الاترنج في رقائق الغنج للسيوطي.

    29- كتاب نزهة العمر في التفضيل بين البيض والسود والسمر للسيوطي.

    30- كتاب نزهة المتأمل ومرشد المتأهل للسيوطي.

    31- كتاب الوشاح في فوائد النكاح للسيوطي.

    32- كتاب الايضاح في اسرار النكاح - أي في الباه للشيخ عبد الرحمن بن نصر بن عبد الله الشيرازي المتوفى سنة " 774 " وهو مختصر أوله الحمد لله الذي خلق الانسان من طين... الخ، وانشد فيه:

    شعر عليك بمضمون الكتاب فإننا وجدناه حــــــقا عندنا بالتجارب

    يزيدك في الإنعاظ بطشا وقــــوة ويحظيك عند الغانيات الكواعب

    33- كتاب جامع اللذات في الباه - لأبي نصر " نصر منصور " بن علي الكاتب الشهير بابن السمساني وهو كتاب كبير حسن السبك والترتيب .

    34- كتاب رسالة في الباه وأسبابه - لابن مندوية أحمد بن عبد الرحمن الأصبهاني الطبيب .

    35- كتاب رشد اللبيب إلى معاشرة الحبيب - للشيخ الأديب . . ابن قليته أبى العباس أحمد بن محمد بن علي اليمنى الكاتب المتوفى سنة 231 إحدى وثلاثين ومائتين ورتبه على أربعة عشر بابا الأول في فضل النكاح الثاني في ذكر النكاح الثالث فيما يدل على عظم النكاح الرابع فيما يحب النساء من الرجال الخامس فيما يحب الرجال من النساء السادس في اختلاف الرجال والنساء في الأحوال السابع في ذكر أبواب من النكاح الثامن فيما يجب معرفته من منافع الباه ومضاره التاسع في ذكر السحاق العاشر في فضل الغلمان على الجواري الحادي عشر في فضل الجواري على الغلمان الثاني عشر في ذكر القيادة وأهلها الثالث عشر فيما يجب فيه الحزم من قبل النساء الرابع عشر في نوادر واشعار أوله الحمد لله استفتاحا بذكره الخ .

    36- كتاب المنهاج في تعلقات الايلاج للقاضي كمال الدين محمد ابن احمد الزملكاني مختصر أوله الحمد لله الذي انبت الخلق نباتا... الخ، ذكر ان بعض المخاديم سأله ان يصنف كتابا في الباه فالفه ورتبه على مقدمة وجزئين يشتمل كل منهما على عدة أبواب فالجزء الأول في اسرار الرجال والجزء الثاني في اسرار النساء .

    37- كتاب منية الشبان في معاشرة النسوان: كتاب في علم الباه للمولى أحمد بن مصطفى المعروف بطاشكبري زاده المتوفى سنة 962 اثنتين وستين وتسعمائة [ 968 ] أوله الحمد لله الذي خلق الانسان من سلالة من طينة... الخ، رتبه عن مقدمة وأربعة مطالب وطرقها طريقة الشرع وطريقة العقل وطريقة الطبع وطريقة الطب .

    38- كتاب نزهة الأصحاب في معاشرة الأحباب للشيخ الامام السموأل بن يحيى بن عباس المغربي (المتوفى سنة 576 ست وسبعين وخمسمائة) أوله الحمد لله الذي جعل رحمته للمذنبين... الخ جمع فيه الجد والهزل والأدب والطب ونبذا من اسرار علم الباه، الفه لأبي الفتح محمد بن قرا ارسلان الأرتقي، وقسمه جزئين علم وعمل .

    39- كتاب أسماء النكاح - لمجد الدين أبى طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي صاحب القاموس المتوفى سنة سبع عشرة وثمانمائة، سماه اسمار السراح .

    وذكر ابن النديم مجموعة من الكتب المؤلفة عن بعض العشاق الذين عشقوا في الجاهلية والاسلام وألف في اخبارهم كتب جماعة، مثل: عيسى بن داب والشرقي بن القطامي وهشام الكلبي والهيثم بن عدي، ويرى الباحث ان تلك الكتب ما هي الا كتيبات صغيرة صيغت فيها حادثة غرامية بإسلوب قصصي، كما يحدث في الادب القصصي القصير في وقتنا المعاصر، بكتابة قصة قصيرة، او طويلة، عن حدث عاطفي او غرامي، بين رجل وإمرأة، الا ان الاختلاف بين تلك القصص القديمة وهذه الحديث، هو كالفرق بين كتابة القصة الفنية، وكتابتها بطريقة الف ليلة وليلة، او المقامات .

    وكمثال على الاسلوب القصصي المتبع وقتذاك، اضافة لاسلوبي الف ليلة وليلة والمقامات،ما ذكره حاجي خليفة من نص قصصي:

    (روى أن ملكا بطلت عنه القوة فزوج عبدا من مماليكه جارية حسناء وهيأ لهما مكانا بحيث يراهما الملك ولا يريانه فعادت قوته بمشاهدة افعالهما انتهى ملخصا من المفتاح . ولا يبعد ان يقال وكذا النظر إلى تسافد الحيوانات لكن النظر إلى فعل الانسان أقوى في تأثير عود القوة وهذا العلم من فروع علم الطب بل هو باب من أبواب كتبه غير أنهم افردوه بالتأليف اهتماما بشأنه ومن الكتب المصنفة ؟ ؟ فيه كتاب الألفية والشلفيه قال أبو الخير يحكى ان ملكا بطلت عنه قوة المباشرة بالكلية وعجز الأطباء عن معالجته ؟ ؟ بالأدوية فاخترعوا حكايات عن لسان امرأة مسماة بالألفية لما انها جامعها الف رجل فحكت عن كل منهم اشكالا مختلفة فعادت باستماعها قوة الملك انتهى وقد سبق ذكر الألفية في موضعها .) . (16)

    بقول ابن النديم: (قال محمد بن إسحاق: كانت الأسمار والخرافات . مرغوبا فيها مشتهاة في أيام خلفاء بنى العباس، وسيما في أيام المقتدر . فصنف الوراقون، وكذبوا . فكان ممن يفتعل ذلك رجل يعرف بابن دلان واسمه أحمد بن محمد بن دلان، وآخر يعرف بابن العطار، وجماعة . وقد ذكرنا فيما تقدم من كان يعمل الخرافات والأسمار على السنة الحيوان وغيره، وهم سهل بن هارون وعلي بن داود والعتابي وأحمد بن أبي طاهر).

    ومن تلك الكتب التي ذكرها ابن النديم في فهرسته، والتي يمكن ان يكون قد اطلع على اغلبها، هي:

    1- كتاب مرقش واسما .

    2- كتاب عمرو بن عجلان وهند .

    3- كتاب عروة وعفراء .

    4- كتاب جميل وبثينة .

    5- كتاب كثير وعزة .

    6- كتاب قيس ولبنى .

    7- كتاب مجنون وليلى .

    8- كتاب توبة وليلى .

    9- كتاب الصمة بن عبد الله وريا.

    10- كتاب حوشسيه وابن الطثرية.

    11- كتاب ملهى وتعلق .

    12- كتاب يزيد وحبابة .

    13- كتاب فانوس ومنية .

    14- كتاب أسعد وليلى .

    15- كتاب وضاح اليمن وأم البنين .

    16- كتاب أميم بن عمران وهند .

    17- كتاب محمد بن الصلت وجنة الخلد .

    18- كتاب العمر بن ضرار وجمل .

    19- كتاب سعد واسما .

    20- كتاب عمر بن أبي ربيعة وجماعة .

    21- كتاب المستهل وهند .

    22- كتاب باكر ولحطه .

    23- كتاب مليكة ونعم وابن الوزير .

    24- كتاب احمد وداحة .

    25- كتاب الفتى الكوفي مولى مسلمة وصاحبته .

    26- كتاب عمار وجمل وصواب .

    27- كتاب الغمر بن ملك وقتول .

    28- كتاب عمرو بن زيد الطائي وليلى .

    29- كتاب علي بن إسحاق وسمنة .

    30- كتاب الأحوص وعبدة .

    31- كتاب بشر وهند .

    32- كتاب عاشق الكف .

    33- كتاب عاشق الصورة .

    34- كتاب عبقر وسحام .

    35- كتاب اياس وصفوة .

    36- كتاب أبى مطعون ورتيلة وسعادة .

    37- كتاب حرافة وعشرق .

    38- كتاب المحسودين والهذلية .

    39- كتاب عمرو بن العنقفير ونهد بن زيد مناة .

    40- كتاب مرد وليلى .

    41- كتاب ذي الرمة ومي .

    42- كتاب سبيل وقالون .

    43- كتاب علي بن أديم ومنهلة .

    44- كتاب المهذب وولده.

    4546- كتاب الفضل بن أبي دلامة . وحليم.

    47- كتاب المعذب والغراء والطيرة .

    48- كتاب سحر اللهو وسكر .

    49- كتاب إبراهيم وعلم .

    50- كتاب طرب وعجب .

    51- كتاب عمرو بن صالح وقصاف .

    52- كتاب احمد وسنا .

    53- كتاب محمد ودقاق .

    54- كتاب حكم وخالد .

    55- كتاب عباد الفاتك وفنك .

    56- كتاب شغوف وعطوف.

    57- كتاب احمد وزين القصور.

    58- كتاب بشر المهلبي وبسباسة .

    59- كتاب عاصم وسلطان .

    60- كتاب ذوب ورخيم .

    61- كتاب أحمد بن قتيبة وبانوجه .

    62- كتاب سهل وسليمة .

    63- كتاب الكاتب ومنى .

    64- كتاب أبى العتاهية وعتب .

    65- كتاب عباس وفوز .

    66- كتاب عاشق البقرة .

    67- كتاب عسى وسراب .

    68- كتاب عصام ودمينة .

    69- كتاب فريد والزهراء .

    70- كتاب عبيد الله بن المهذب ولبنى بنت المعتمر.

    71- كتاب ريحانة وقرنفل .

    72 - كتاب رقية وخديجة .

    73- كتاب مؤيس وذكيا .

    74- كتاب سكينة والرباب .

    75- كتاب الغطريفة والدلفاء .

    76- كتاب هند وابنة النعمان .

    77- كتاب عبدة العاقلة وعبدة الغدارة .

    78- كتاب لؤلؤة وشاطرة .

    79- كتاب نجده وزعوم .

    80- كتاب سلمى وسعاد كتاب صواب وسرور .

    81- كتاب الدهماء ونعمه .

    وذكر ابن النديم مجموعة اخرى من الكتب عن أسماء العشاق الذين تدخل أحاديثهم في السمر، منها:

    1- كتاب صاحب بشر بن مروان وابنة عمه .

    2- كتاب الكلبي وابنة عمه .

    3- كتاب التميمي والتميمية الذين تعاهدوا .

    4- كتاب المصري والمكية .

    5- كتاب عبد الله بن جعفر والشجرة المكتوب عليها .

    6- كتاب الوجيهة والأعرابي .

    7- كتاب اسما بن جارحه الفزاري .

    8- كتاب ملك ابن اسما وصاحبه الحص .

    9- كتاب عباس الحنفي والتي رماها .

    10- كتاب الجارية ومولاها وعبيد الله بن معمر .

    11- كتاب عبد الرحمن بن الحكم بن حسان الأسدي وسعد صاحبي الغار .

    12- كتاب الفتى والمرأة التي رمت بالحصاة .

    13- كتاب الرباب وزوجها الذين تعاهدوا .

    14- كتاب سليمان وعنوان وشيبان .

    15- كتاب سليمان بن عبد الملك الجارية وطفلها .

    16- كتاب المرأة وإخوتها والرجل الذي هويها.

    17- كتاب الاعرابي وابنة عمه آخر .

    18- كتاب عبد الملك والكلبي صاحب خالد بن الوليد .

    19- كتاب الزهري وابنه عمه الذين ساروا إلى هشام بن عبد الملك .

    20- كتاب ديار وظمياء .

    21- كتاب ملك العيار وابنة عمه .

    22- كتاب عنمة وازيهر وعمرو الملك .

    23- كتاب الكردوحية وابنة الكاهن .

    24- كتاب الأخوين العراقي والمدني .

    25- كتاب المعلى وسينا .

    26- كتاب المتجرد في النساء .

    27- كتاب بدر وسادن.

    28- كتاب حبيب العطار .

    29- كتاب حسن والسص الإسرائيلي .

    30- كتاب حافية ابنة هاشم الكندي .

    31- كتاب المؤمل بن الشريف والصورة ومظعون الجني .

    32- كتاب عامر ودعد جارية خالصة .

    33- كتاب عروة بن عبد يا ليل الطائي وابنة عمه .

    34- كتاب الفتى العاشق وصاحبته .

    35- كتاب المخنث والفتاة التي عشقته .

    36- كتاب الفتى العاشق وهند المستعجلة .

    37- كتاب الفتى العاشق النسب وذات الخال .

    38- كتاب الفتى الأحمق وشمسه عاشقته .

    39- كتاب العاشق المجنون وسلم وجاريتها المخبلة.

    فيما ذكر، كذلك، مجموعة اخرى من الكتب عن عشاق الانس للجن وعشاق الجن للانس:

    1- كتاب دعد والرباب .

    2- كتاب رفاعة العبسي وسكر .

    3- كتاب سعسع وقمع .

    4- كتاب ناعم بن دارم ورحيمه وشيطان الطاق .

    5- كتاب الأغلب والرباب.

    6- كتاب الضرغام وجودووقس.

    7- كتاب عمرو ودقانوس.

    8- كتاب الشماخ ورمع.

    9- كتاب الخزرجي المحتال واسما .

    10- كتاب حصن بن النبهان والجنية .

    11- كتاب الدلفاء وإخوتها والجني .

    12- كتاب عدد الفزارية والجني وعمرو .

    13- كتاب عمر بن سفيان السلمي والجنية .

    14- كتاب عمرو بن المكشوح والجنية .

    15- كتاب ربيعة بن قدام والجنية .

    16- كتاب سعد بن عمير والنوار .

    17- كتاب السميفع بن ذي يرحم الحميري والعقوف بنت زيد .

    18- كتاب الشيخ بن الشاب .

    ***

    1 – تحفة العروس ومتعة النفوس (17)

    المؤلف: هو (ابو عبد الله محمد بن احمد بن محمد بن ابي القاسم التجاني – ينتسب الى قبيلة تِجان – من قبائل المغرب، تولى الكتابة للواثق بالله يحيى بن ابي اسحاق صاحب المملكة الحفصية في مدينة بجاية، ثم عاد الى تونس ليتولى مركزا مرموقا في ديوان الرسائل برعاية الامير زكريا بن احمد وظل يتنقل في الوظائف (...) توفي بعد سنة 709 هـ) . (18)

    ومن يتصفح قائمة مؤلفاته يجدها كتابات في شؤون الدين.

    يقول محقق الكتاب: (تحفة النفوس ليست نصا خليعا،كما تفهم الخلاعة اليوم، فمؤلفها – التجاني – من ائمة المالكية، ميزته أنه فقيه وأديب .(...) وتحفة العروس موسوعة في المرأة العربية، تدل على تبحر التجاني في علوم الدين والادب والتاريخ والجمال والجنس).(19)

    يقول المؤلف في مقدمة كتابه: (ولما كان التلذذ بالنساء أعظم اللذات، وكان لهن من التقدم في قلوب الرجال ما قدمهن الله سبحان به في كتابه على سائر الشهوات، راينا ان نحمع من ملح أخبارهن ومستظرف نوادرهن وأشعارهن، وما يستحلى من أوصافهن، ويستحن من ألوانهن وأسنانهن، ويستحسن من آدابهن، ويمدح من خَلقهن وأخلاقهن، وما ينبغي للرجل أن يتخّير لنكاحه منهن، وبيان جُمل من أحكامهن نبذا تجمع بين إفادة العلم وامتاع النفوس، فجمعنا هذا الكتاب).(20)

    ابواب الكتاب:

    - باب جامع في النساء وما يتقى من فتنتهن، وما زينه الله سبحانه وتعالى في قلوب الرجال منهن، وحكمة الله تعالى في أن خلقهن والرجال من نفس واحدة، ليسكن بعضهم الى بعض، وكراهة الخلوة مع غير ذات المحارم، وما يؤمر الرجل ان يفعله إذا رأى امرأة فأعجبته .

    - باب العفاف والتصون وثواب من منع النفس هواها وقمعها عن شهواتها المحرمة ومناها.

    - باب الحض على النكاح والإنكار على من ترك النساء زهداً، وذكر اختلاف الناس فيه في وجوب النكاح واستحبابه.

    - باب تخيّر الرجل لنطفته، وبيان الخصال التي تتزوج لها المرأة، وما ينبغي للرجل أن يقصده من ذلك ومن يتجنب من النساء.

    - باب فيما يباح للرجل من النظر للمرأة إذا أراد نكاحها.

    - باب في ذكر الصدقات، وما ورد في كثرتها وقلتها، وكراهة المغالاة فيها.

    - باب الوقت المستحب لعقد النكاح.

    - باب جلاء العروس ودخولها على الرجل، وذكر جمل من اداب الجماع .

    - باب الزينة والتطيب من اعظم الاسباب الموجبة لحظوة المرأة عند الرجل .

    - باب زينة الرجل وما يستحب له من التهيؤ لزوجته .

    - باب في معاشرة النساء وحقوق المرأة على الرجل .

    - باب في السراري.

    - باب في تفضيل الاسنان.

    - باب في الابكار والثيب.

    - باب في السمن والضمور.

    - باب في الالوان.

    - باب في الطول والقصر.

    - باب جامع في الملاحة والجمال.

    - باب ذكر اوصاف النساء على الاجمال.

    - باب ذكر اوصافهن وما ورد في ذلك من المخايرة والتفصيل (يضع لوصف كل عضو من اعضاء جسم المرأة فصلا).

    - باب جامع لذكر الجماع وبيان ما فيه من المنافع والمضار وذكر اسماء من اسماء النكاح.

    - باب الرهز في الجماع.

    - باب في وطء الرجل في غير الفرج وذكر صور من صور النكاح.

    - باب في الغيرة وما يحمد منها وما يذم.

    - باب في بعض مُلح المفاكهات والمطيبات التي تتعلق بالنكاح.

    ***

    2 - كتاب رجـوع الشيخ إلى صبــاه في القـوة عـلى البـاه (21)

    المؤلـف:

    هو (أحمـد بن سليمـان الشهـير بإبن كمــال باشـا المتوفى فى سنـه 940،بإشــارة السلطـان سليم خـان ذكـر كُتباً كثيره بهـذا المعنى وقـال جمعتُـه منهـا ولم أقصــد بـه إعــانـه المتمتـع الذى يرتكب المعاصي بل قصْـدتُ إعــانـة من قَصُـَرتْ شهـوتـه عـن بلــوغ نيتــه في الحــلال الذي هـو سبب لعمــارة الدنيـا ولمـا كَمُـلَ قَسٌمْتُـهُ قِسمَـيٌن قِســم يشتمـل عـلى ثلاثين بابا تتعلـق بأســـرار الرجـال ومـا يقويهـا عـلى البـاه من الأدوية والأغذية والثاني يشتمل عـلى ثــلاثـين باباً تتعلـق بأســرار النســاء وما يناسبها من الزينـه (. (22)

    مقدمته الكتاب:

    (الحمـد لله الذى خلق الأشيـاء بقدرته وأتقنها بلطيف صنعته ودبرها بحكمته، أحمـده على نعمته وأصلى على محمـد خير خليفته وعلى آلـه وصحبه وعترته قال المؤلـف لهذا الكتاب إنني لمـا رأيت الشهوات كلها منوطة بأسمـاء البـاه وداعيه إلى الجماع ورأيت أهل الأقدار وأربـاب الأموال ورؤساء أهل كل بلد فى عصرنا هذا ومـا تقدمه من عصور أزمان هممهـم مصروفه إلى معاشرة النسوان وأحوالهم متفرقة فى بيوت القيان، ولم أر أحداً منهم يخلو من عشق المغنيه واستهتار بجاريـه وغرام بفاحشة عملت أن معرفتهم بمـا انصرفت إليه شهواتهـم وتتبعته نفوسهم ممـا يجعـل نفعه وتعظم فائدته فدعاني ذلك إلى تأليف هذا الكتـاب ولم أر أن أجعل كتابي هذا مقصوراً على أدوية البـاه فقط وقد جمعتـه من الكتب المصنفة في البـاه وغيره ككتـاب الباه للنحلي وكتاب العرس والعرائس للجاحظ وكتاب القيان لأبن حاجب النعمان وكتاب الإيضاح فى أسرار النكاح وكتاب جامع اللذة لإبن السمسمـانى وكتاب برجان وجناحب وكتاب المناكحه والمفاتحة في أصناف الجماع وآلاته لعز الدين المسيحي فألفت وجمعت منها هذا الكتاب ولم أقصد بتأليفه كثرة الفساد ولاطلب الإثم ولا إعانة المتمـتع الذى يرتكب المعاصي ويستحل ماحرم الله تعالى بل قصدت به إعانة من قصرت شهوته عن بلوغ أمنيتـه فى الحلال الذى هو سبب لعمارة الكون بكثرة النسل لقوله عـليه الصلاة والسلام (تناكحوا تناسلوا فإنى أباهـى بكم الأمم يوم القيامة) ولمـا كمل تأليفـه قسمتـه وجعلتـه جزأين جزأ يشتمل على ثـلاثين باباً تتعلـق بأسرار الرجال وما يقويها على البـاه من الأدوية والأغذية والمعـاجين والخواص وما أشبـه ذلك مما يقف عليه من طالع هذا الكتاب والجزء الثانى يشتمل على ثلاثين باباً تتعلق بأسرار النساء وما يناسبهن من الزينـه والخضابات وما يخصب البـدن وما يسمنه ومـا يطـول الشعـر ويسـوده ومـا الذي يستجلبن به مودات الرجـال والحكــايات التي نقلت عنهن في أمــر الباه مما يحرك شهـوة الســامع لهـا وما قيل فيهـن من زيــادة الشهوة وقلتهـا ومـا نقـل عـنهن من ورقـة الألفـاظ عنـد الجمـاع ممـا يزيــد في اللذة ويقــوى الشهوة، ولمـا كمـل تأليفـه وتبويبـه"سميتـه بكتـاب رجـوع الشيخ إلى صبـاه في القـوة عـلى البـاه " وهـذه ترجمـه الأبواب .

    والله الموفق للصـواب وإليـه المرجـع والمآب). (23)

    ***

    ابواب الكتاب:

    يتكون الكتاب من جزأين – كما يذكر المؤلف -،وكل جزء يشتمل على ثـلاثين باباً تتعلـق بأسرار الرجال وما يقويها على البـاه من الأدوية والأغذية والمعـاجين والخواص وما أشبـه ذلك مما يقف عليه من طالع هذا الكتاب، والجزء الثانى يشتمل على ثلاثين باباً تتعلق بأسرار النساء وما يناسبهن من الزينـه والخضابات وما يخصب البـدن وما يسمنه ومـا يطـول الشعـر ويسـوده ومـا الذي يستجلبن به مودات الرجـال والحكــايات التي نقلت عنهن في أمــر الباه مما يحرك شهـوة الســامع لهـا وما قيل فيهـن من زيــادة الشهوة وقلتهـا ومـا نقـل عـنهن من رقـة الألفـاظ عنـد الجمـاع ممـا يزيــد في اللذة ويقــوى الشهوة .

    ابواب الجزء الاول:

    - الباب الأول: ذكـر مزاج الأحليل ومـا يتعلق بذلك الأمر.

    - الباب الثاني: في ذكر مزاج الانثيين ومـا يتعلق بذلك من أمر الباه .

    - الباب الثالث: في ذكــر الضــرر الذي يحصـل من الإســراف في استعمال الباه .

    - الباب الرابـع:في تلاحق الضــرر الحــادث عـن الإفــراط في البـاه .

    - الباب الخـامس: فيمـا يجب أن يستعمـل بعـد الجمـاع وتـدارك خطأ من غلب عليـه البرد .

    - الباب السادس: في ذكـر منافـع البـاه ومـا الذي نقـل عـن الحكمــاء في ذلك .

    - البـاب الســابـع: في الأوقات التي يستحب فيهـا الجمـاع ومــدد النكـاح ورداءة أشكــاله .

    - البـاب الثـامن: في مقــدمـة يلــزم معرفتها لمن أراد تركيب أدويـة البـاه .

    - الباب التاسع:في معــرفـة الأدوية المفردة الزائدة في الباه .

    - الباب العاشر: في ذكـر الأدوية المركبة الزائدة في الباه .

    - الباب الحادي عشر: في معــرفة الأدهان الزائدة في البـاه .

    - الباب الثاني عشـر: في المسـوحـات الزائدة في الباه .

    - الباب الثالث عشـر: في الضمـانات والأدوية والأطليـه الزائدة في البـاه .

    - الباب الرابـع عشر: في تركيب الجوارشات الزائدة في الباه .

    - الباه الخامس عشر: في المربيـات الزائدة في الباه .

    - الباب السادس عشر:في السفوفات الزائدة في الباه .

    - الباب السابع عشـر: في تركيب الحقن الزائدة في الباه .

    - الباب الثامن عشر: في الحمـولات والفتائل الزائدة في الباه .

    - الباب العشرون: في تركيب اللبانات الزائدة في الباه .

    - الباب الحادي والعشرون: في المشمومات الزائدة في الباه .

    - الباب الثاني والعشرون: في الأغذية الزائدة في الباه .

    - الباب الثالث والعشرون:في ذكر الأشيـاء المنقصة لشهـوة الباه .

    - الباب الرابع والعشرون: في ذكر ما يطول الذكـر ويغلظـه ويزيد فيـه .

    - الباب الخامس والعشرون: في ذكر الأدوية الملذذة للجماع .

    - الباب السادس والعشرون:في ذكر الأشيـاء المعينة على الحبل .

    - الباب الثامن والعشـرون: في ذكر الخـواص الزائدة في الباه .

    - الباب التاسـع والعشرون: في ذكر الخواتم والطلاسم والأسماء المختصة بالباه .

    - الباب الثلاثون: في تقاسيم أغراض الناس ومحبتهم وعشقهـم .

    ***

    مقدمة الجزء الثــانى:

    (قد كنت إشترطت فى كتابى هـذا فى الجزء الأول منـه إننى أقسمـه قسمين وأجزؤه جزأين كل جزء يشتمل عـلى ثلاثين باباً أذكر فيهـا الأدويـه والأغذيـه والأطليـه والضمادات والمسـوحـات والحقن والحمـولات والمعـاجين والسفوفــات واللبانات والمربيـات والملذذات وغير ذلك ممـا يقـوى عـلى الباه وهـو الجزء الأول وقد إستوفينـا ذلك وأن أجعـل الجزء الثـانى يشتمل عـلى مايتعلق بالنســاء من الزينـه والفيولات والخضابات وما يطول الشعر ويسـوده ويسـرع نبــاته ومـا يطيب النكهـه ويجلو الأسنان ومايسمن البدن ويجمله ومـا يطيب رائحة البدن والثياب ومايضيق الفرج ويطيب رائحته ويسخنـه وغير ذلك ممـا يناسب النساء وأن أذكر الحكـايات التى جاءت عن القينـات التى سماعهـا ينبـه الشهـوة ويعين عـلى بلـوغ الوطر وقد بوبت ذلك فى ثلاثين باباً والله الموفق). (24)

    ***

    ابواب الجزء الثاني:

    في هذا الباب لم نجد ما قاله الكاتب في مقدمة هذا الجزء في انه وضعه في ثلاثين بابا، وانما نجده قد وضعه في عشرين بابا، ولا اعرف ان كان ذلك من صنعه، ام من صنع النساخ ؟ ثم اضاف اليه مجموعة من الحكايات.

    - الباب الأول: فى معرفة مايكون فى النساء من الأوصاف الجميلة فى أعضائهن.

    - الباب الثـانى: فى ذكرالعلامات التى يستدل بهـا عـلى فراسـة النسـاء والحكم عليهن بقلة الشهـوة وكثرتهـا وغير ذلك.

    - الباب الثالث: فى معرفة الأدويـة المحسنـه للون البشــرة .

    - الباب الرابع: فى معرفـة الأدويـة التى تسرع إنبات الشعر وتطوله والخضابات

    التى تحسن لـونه وترجله ومـايسرع نباته ويمنع نبتانه ويحلق الشعر عـن البدن .

    - الباب الخامس: فى ذكر الأدوية التى تجلوالأسنان وتزيل البخر وتطيب رائحة الفم.

    - الباب السـادس: فى معرفـة الأدويـة التى تسمن البدن وتصلبـه.

    - الباب السـابع: فى خضــاب الكف وقمـوع الأنـامل.

    - الباب الثامن: فى معرفـة الأدويـة التى تطيب رائحـة البدن والثيـاب من المرأه الجـالبـة لمودة الرجـال وتمنع من در البول والعـرق عنـد النوم، وتنفع من نتن الإبطين .

    - الباب التاسع: فى معرفة الأدوية التى تقوى أشفار عـنق

    الرحم حتى لايناله ضعف ولاعناء.

    - الباب العـاشر:فى معرفـة الأدويـة التى تمنـع من ميلان عنق الرحـم

    إلى حـد أحـد الجانبين وتثبتـه وتصلبـه.

    - الباب الحادى عشر: فى معرفة الأدوية التى تزيد فى من المرأه وتقوى ظهرهـا وتغزر منيهـا.

    - الباب الثانى عشر: فى ذكــر الأدويـة التى تحبب السحق إلى النســاء حتى يشتغلن به عـن جميـع ماهـن فيـه ويأخـذهن عليـه الهيمـان والجنـون.

    - الباب الثالث عشر: فى معرفـة الأدوية التى تضيق فـروج النسـاء وتسخنهـم وتجفف رطـوبتهـن.

    - الباب الرابع عشر: فى معـرفـة الأدويـة التى تطيب رائحـة فرج المرأه حتى

    إن كـل من دنـا منهـا أحب العوده إليهـا والخلوه معهـا.

    - الباب الخامس عشر: فى معـرفـة الأدويـة التى تهيج شهـوة النساء إلى الجمـاع حتى يأخذهن الهيمـان والجنون ويخرجن من بيوتهـن إلى الطرقـات فى طلب ذلك.

    - الباب السادس عشر: فى معـرفـة الأدويـة التى إذا إستعملتهـا النسـاء اللواتى لم يدركن لم ينبتن عـلى كراسى أرحـامهـن شعـر ويبقى الموضع نـاعماً أبداً.

    - الباب السـابع عشر فى ذكـر الأدويـه التى اذا إستعملتهـا

    النسـاء اللواتى قـد أدركن نثرت الذى عـلى الكرسى أرحـامهـن

    وإماتته ومنعـه من النبات ثـانيـه ويبقى الموضـع ناعمـاً رطباً.

    - الباب الثامن عشر:فى ذكر كيفية أنواع الجمـاع ومايجلب بصفتـه الشهـوة وينبـه الحراره الغريزيـه، ويضم هذا الباب مجموعة من الابواب، هي:

    - الباب الاول: في الإستلقـاء.

    - الباب الثانى: فى القعـود.

    - الباب الثالث: فى الإضطجــاع.

    - الباب الرابـع: فى الإنبطـاح.

    - الباب الخـامس: فى الإنحنــاء.

    - الباب السادس: فى القـــيام .

    - الباب التاسع عشر: فى الحيل عـلى الباه وأحوالـه .

    - الباب العشرون فى الحكــايات.

    ***

    3- الوشاح في فوائد النكاح (25)

    هذا الكتاب، معجم لغوي بالمفردات الخاصة بالاعضاء الجنسية، والفاظ النكاح، والعمليات الجنسية، وكذلك هو معجم للكثير من الاحاديث النبوية التي لها تتحدث عن العلاقة بين الرجل والمرأة .

    المؤلف:

    (هو الامام ابو الفضل عبد الرحمن بن ابي بكر بن محمد بن سابق الدين بن الفخر عثمان الصلاح ايوب بن ناصر الدين محمد بن الشيخ همام الدين الخضيري الاسيوطي، ولد سنة تسع واربعين وثمنمائة هجرية،ولي منصب القضاء في اسيوط، ثم انتقل الى مصر حيث اسند اليه بها منصب الإفتاء على مذهب الامام الشافعي). (26)

    ***

    يقول المؤلف في مقدمة كتابه:

    (وبعد، فقد اكثر الناس من التصنيف في فن النكاح، ما بين مسهب ومختصر، ومستوعب ومقصر.

    وعلى الجملة: فأحسن كتاب الف في ذلك، واجمعه لفوائد هذه المسالك كتاب: (تحقة العروس، ومتعة النفوس)، لابي عبد الله محمد بن احمد التيجاني.

    وقد سودت في ذلك مسودات متعددة،فأول ما عملت في ذلك كتاب (الافصاح في اسماء النكاح) وهو لغة صرف، مبسوطة منقولة، وشواهد في مجلد لطيف.

    ثم عملت (اليواقيت الثمينة في صفات السمينة) وهو مفيد في نوعه.

    ثم سودت مسودة كبرى سميتها (مباسم الملاح ومباسم الصباح في مواسم النكاح) مشتملة على سبعة فنون:

    الاول: في الحديث والاثار.

    الثاني: في اللغة.

    الثالث: فن النوادر والاخبار.

    الرابع: فن السجع والاشعار.

    الخامس: فن التشريح.

    السادس: فن الطب.

    السابع: فن الباءة.

    فتضمنت من الفوائد جملا، ومن الفرائد كثيرا، مفصلا ومجملا، غير انها بلغت نحو خمسين كراسا، فاستطلتها، وسئمت من طولها، ومللتها، فصنعت منها هذا المختصر في نحو عشرها، ولخصت فيه احاسن المحاسن من نظمها ونثرها،وان كنت لم اودع في تلك المسودات إلا ما يستحسن، فقد جئت هناك بالاحسن من ذلك الحسن، وانتخبت كل درة خفيفة المحمل غالية المثمن، وسميته: (الوشاح في فوائد النكاح)...). (27)

    مؤلفات السيوطي الجنسية:

    على الرغم من ان السيوطي عالم ديني، على المذهب الشافعي وعمل قاضيا ومفتيا،وله كتب في ذلك، الا انه لم يحرّم على فكره وقلمه الخوض في هذا المضمار، والف فيه كتب كثيرة، منها:

    20- كتاب رشف الزلال من السحر الحلال.

    21- كتاب ضوء الصباح في لغات النكاح.

    22- كتاب الافصاح في اسماء النكاح.

    23- كتاب اليواقيت الثمينة في صفات السمينة.

    24- كتاب مباسم الملاح ومباسم الصباح في مواسم النكاح.

    25- كتاب الايضاح في اسرار النكاح.

    26- كتاب الايك في معرفة النيك.

    27- كتاب نواضر الايك في نوادر النيك.

    28- كتاب شقائق الاترنج في رقائق الغنج.

    29- كتاب نزهة العمر في التفضيل بين البيض والسود والسمر.

    30- كتاب نزهة المتأمل ومرشد المتأهل.

    31- كتاب الوشاح في فوائد النكاح.

    ***

    يضم كتاب الوشاح في فوائد النكاح، ثلاثة ابواب،واربعة فصول، هي:

    - الباب الاول: فن الحديث والاثار.

    - الباب الثاني: فن اللغة، وفيه فصول:

    * فصل في اسماء الجماع .

    * فصل في اسماء الذكر .

    * فصل في اسماء الفرج.

    * فصل في اسماء حركات الجماع.

    الباب الثالث: فن النوادر والاخبار.

    ***

    4 - شقائق الأترنج في رقائق الغنج (28)

    يقول المحقق في مقدمته التي عنونها بـ (التراث والجنس): (فجاء السيوطي، فكمع نثاره وابرزه على النحو الذي جعل منه موضوعا مميزا لا يتسم فقط بطرافته الادبية بل وبحديته العلمية وفائدته العملية، في المقام الاول . فهو ليس مادة للتسلية والإمتاع والإثارة الجنسية بقدر ما هو بحث ثقافي رصين، رغم ما فيه من اشارات صريحة احيانا، يعالج، فيما يعالج من امور، جانبا طبيعيا وسايكولوجيا في العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة ويحاول ان يفتح امامهما طريق الحياة المشتركة المتكافئة السعيدة). (29)

    وفي مقدمته للكتاب، يقول المؤلف: ان سبب وضعه لهذا الكتاب هو اجابة لسائل سأله عن حكمة النكاح شرعا. (30)

    يضم الكتاب اربعة ابواب في: اللغة والاثار والاخبار والاشعار.

    ***

    5 - نواضر الايك في معرفة النيك (31)

    الكتاب في الاصل - كما يذكر المؤلف - ذيل على كتابه (الوشاح في فوائد النكاح).

    فصول الكتاب:

    - فصل في لذات الدنيا.

    - فصل في دواء علة الهوى.

    - فصل المعروف من الجماع.

    - فصل: حالات الجناع.

    - فصل: حركات الذكر في الفرج.

    - فصل: انواع الوطء.

    - فصل: في نكتاح الخصي.

    - فصل: في احليل الرجل وكس المرأة.

    - فصل:ماء المرأة والرجل.

    - فصل: في حظوة النساء.

    - فصل: في إنزال المرأة.

    - فصل: في حيل الجماع.

    - فصل: في اقسام الوطء.

    - فصل: من امثال العوام.

    - فصل: من خطب العلماء.

    - فصل: في وصف الذكر والكمرة.

    - فصل: في صفات الجماع.

    - فصل: في الاستلقاء.

    - فصل: في الاضطجاع.

    - فصل: في الجلوس.

    - فصل: في القيام.

    - فصل: في الاستلقاء.

    - فصل:في الاضطجاع.

    - فصل: في الانبطاح.

    - فصل: في الانحناء.

    - فصل: في القيام.

    - فصل: في القعود.

    - فصل: في انواع اخرى.

    - فصل: في انواع القبح.

    يعد الكتاب من الادب المكشوف ان كان ذلك في حكاياته او في شواهده الشعرية، وقد صرح هو بذلك في مقدمته، اذ قال عن السبب في وضعه: ذكرت فيه ما نزهت (32). أي نزه كتابه السابق (الوشاح في فوائد النكاح).

    ***

    6 - تزين الاسواق في اخبار العشاق (33)

    داود بن عمر الانطاقي 0 1008 هـ - 1600 م).

    يقول الانطاقي – مؤلفه - عن سبب تأليفه للكتاب، بعد ان ضاق الزمن عليه: (فغيرت ذلك ادراكي الثاقب فقصرت عن بلوغ المآرب فأعملت الحيلة فيما به أريح النفس وأنفي اللبس في الفكر بعد طول التعب إن امتطي غارب الادب فارست من الاصحاب من هوله كالعناصر فمال إليه ذهني الفاتر فشرعت في جمع شيء في محاسنه المختلفة وضمها بحيث تكون في الجنس وإن اختلفت بالنوع مؤتلفة فكان اول ما سطرته واحكمت قواعده وحررته طبقات ذكرت فيها اخبار الحكماء ولطائف الاطباء ثم لم ازل احيل النظر في مجاميع مختلفة الى ان وقع اختياري على اختصار الاشواق المأخوذ من مصارع العشاق المنسوب الى ابي بكر محمد بن جعفر البغدادي السراج رحمه الله فإنه وإن كان قد جمع فيه بين جد القول وهزله وظرائف نكت العشق واهله ورقيق اللفظ وجزله إذ هو صنيعة وحيد زمانه ورئيس اقرانه وواحد عصره ونادرة دهره مولانا ابي الحسن ابراهيم بن حسن بن عمر الرباط الشهير بالبقاعي تغمده الله برضوانه واسكنه فسيح جنانه إلا انه كتاب طال في غير طائل وجمع ما لا حاجة بهذه الصناعة إليه من المسائل كذكر الاسانيد والتكرار الذي هو شأن الاحاديث النبوية لتوثيق الاحكام الدينية كالإخلال بمحاسن الاخبار ولطائف الاشعار التي هي بهذا الفن اعلق من الجوى بأهل الهوى وعدم الترتيب المستلزم لاختلال التهذيب وكالاعراض عن ذكر غالب اسباب وقوع بعض العشاق في شرك الحب (...) فألفت هذا الكتاب (...) فزاد على اصله بأمور إثني عشر احدها وهو الاعظم تبديل ما في الباب العاشر (...) كجعلك الغيرة اصلا لنحو حكاية ديك الجن وكتم الاسرار (...) والله المسؤول ان ينفع به فيما قصد بترتيبه...الخ).

    لاول مرة اقرأ كلمة (الجنس) الدالة على العلاقة بين الرجل والمرأة في المؤلفات العربية القديمة، في قول الانطاقي في مقدمة: (وضمها بحيث تكون في الجنس وإن اختلفت بالنوع مؤتلفة)، وكان ذلك عام انتهاء تأليفه للكتاب، سنة 972 هـ.

    ابواب وفصول الكتاب:

    - فصل في الترغيب في العشق والحث عليه.

    - فصل في رسومه وحدوده وما جاء عن الحكماء وغيرهم.

    - فصل في بيان مراتبه.

    - فصل فيما ذكر له من العلاقات.

    - الباب الاول فيمن استشهد من المحبين .

    - الباب الثاني في احوال عشاق الجواري والكواعب (يضم اخبار الكثير من العشاق المعروفين بالتاريخ العربي وقد ذكرت قصصهم في كتب ذكرتها المصادر السابقة).

    - القسم الثاني: فيمن جهل اسمه او اسم محبوبته او شيء من سيرته او مآل حقيقته.

    - فصل في ذكر من جرع كأس الضنى وصبر على مكابدة العنا واتصف بذلك كله من النساء .

    - القسم الثالث: فيمن خالسته عيون الاماء فأسلمته الى الفناء .

    - القسم الرابع: في ذكرى من حظى بالتلاق بعد تجرع كأس الفراق .

    - القسم الخامس: في ذكر من سموا بالفساق من العشاق.

    - القسم السادس: في ذكر من حل عقد المحبة وخالف سنن الاحبة.

    الجزء الثاني:

    - الباب الثالث: في ذكر عشاق الغلمان.

    - الباب الرابع: في ذكر ما سوى البشر وما القوا من العبر.

    - الباب الخامس: في تتمات يفتقر اليها الناظر في هذا الكتاب .

    - خاتمة.



    داود سلمان الشويلي

    ...................

    الهوامش:

    * هذه الدراسة فصل من كتابي: (قضية الجنس في الرواية العراقية).

    1 - الجنس من الاسطورة الى العلم - ص 52.

    2 - كل شيء في الجنس - ص3.

    3 - الجنس والشباب الذكي - ص10.

    4 - النعمة والجنس - ص8.

    5 - الجنس من الاسطورة الى العلم .

    6 – المصدر السابق - ص22.

    7 – التعاريف - ج1 ص 286.

    8 - ابجد العلوم - ص123 – 124.

    9 – التعاريف - ج: 1 ص: 109.

    10 - لسان العرب - ج1 ص36.

    11 - استخدم هنا الجنس ليس بصورته العملية الالية فحسب، بل بصورته الاخرى، كالحب والعشق والهيام.

    12 - تحفة العروس – ص 14 – 15 . التأكيد مني.

    13 - الحيوان - ج 3 - ص167. التأكيد مني.

    14 - يذكر محقق كتاب (تحفة العروس) ان هذا الكتاب اول ما ترجم الى الفرنسية عام 1848 ثم الى الانكليزية وبعدها الى الالمانية، فيما صدرت الطبعة العربية الاولى عام 1881.

    15 – اسماء الكتب مأخوذة من كتابي: فهرست ابن النديم وكشف الظنون .

    16 - كشف الظنون - ج 1 - ص 218 – 224.

    17 - تحفة العروس ومتعة النفوس – محمد بن احمد التيجاني - تحقيق: جليل العطية - ط1 – 1991 – منشورات رياض الريس .

    18 - المصدر السابق – ص15 .

    19 - المصدر السابق – ص19 .

    20 - المصدر السابق – ص24 .

    21 - رجوع الشيخ الى صباه – للشيخ الإمام العلامة محمد النفزاوي رحمة الله ورضي عنه – شبكة الانترنيت - دون معلومات.

    22 - المصدر السابق


    23 - المصدر السابق

    24 - المصدر السابق

    25 - الوشاح في فوائد النكاح - جلال الدين السيوطي - تحقيق: طلعت حسن عبد القوي – دار الكتاب العربي – دمشق .

    26 - المصدر السابق – ص 9 – 10 .

    27 - المصدر السابق - ص34 - 35 .

    28 - شقائق الأترنج في رقائق الغنج - العلامة جلال الدين السيوطي- تحقيق: عادل العامل – ط2 – 1994 - دار المعرفة .

    29 - المصدر السابق – ص3 .

    30 - المصدر السابق – ص19.

    31 - نواضر الايك في معرفة النيك - الامام الحافظ حلال الدين السيوطي – تحقيق وتعليق طلعت حسن عبد القوي- دار الكتاب العربي – دمشق.

    32 - المصدر السابق – ص31.

    33 – تزيين الاسواق في اخبار العشاق - داود الانطاكي – شبكة الانترنيت – دون معلومات.




    ***


    المصادر:

    - أبجد العلوم والوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم - صديق بن حسن القنوجي - (1248- 1307)- تحقيق: عبد الجبار زكار- دار الكتب العلمية – بيروت – 1978.

    - التوقيف على مهمات التعاريف - محمد عبد الرؤوف المناوي - 952-1031- تحقيق د. محمد رضوان الداية – ط1 - دار الفكر المعاصر ودار الفكر- بيروت , دمشق- 1410.

    - لسان العرب- محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري - 630- 711 - ط1 - دار صادر- بيروت.

    - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون- مصطفى بن عبدالله القسطنطيني الرومي الحنفي- 1017- 1067- دار الكتب العلمية - بيروت- 1992.

    - كشف الظنون- مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة وبكاتب چلبي - 1067 - دار إحياء التراث العربي - بيروت – لبنان راجع القرص المدمج: اهل البيت.

    - فهرست ابن النديم - ابن النديم البغدادي- محمد بن إسحاق النديم المعروف إسحاق بابي يعقوب الوراق- راجع القرص المدمج: اهل البيت.

    - الجنس من الاسطورة الى العلم - إ.س.كون – ترجمة:د. منير شحود – ط1- 1992 – دار الحوار للنشر والتوزيع – اللاذقية – سورية.

    - كل شيء في الجنس – بدون معلومات.

    - الجنس والشباب الذكي – كولن ولسن – ترجمة احمد عمر شاهين – مركز الحضارة العربية – الجيزة – ب.ت.

    - النعمة والجنس - ماري ستيوارت – ترجمة نكلس نسيم – دار الثقافة – ط1 – 1997 .


    - تحفة العروس ومتعة النفوس – محمد بن احمد التجاني- تحقيق: جليل العطية – رياض الريس للكتب والنشر - ط1 - 1992

    - رجوع الشيخ الى صباه – للشيخ الإمام العلامة محمد النفزاوي – شبكة الانترنيت - دون معلومات.

    - الوشاح في فوائد النكاح - جلال الدين السيوطي - تحقيق: طلعت حسن عبد القوي – دار الكتاب العربي – دمشق.

    - شقائق الأترنج في رقائق الغنج - العلامة جلال الدين السيوطي- تحقيق: عادل العامل – ط2 – 1994 - دار المعرفة .

    - نواضر الايك في معرفة النيك - الامام الحافظ جلال الدين السيوطي – تحقيق وتعليق طلعت حسن عبد القوي- دار الكتاب العربي – دمشق.

    – تزين الاسواق في اخبار العشاق - داود الانطاكي – شبكة الانترنيت – دون معلومات.

    - الحيوان - الجاحظ .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق