حياة كاترين مييه الجنسية في ضيافة
"جسد"
كاتريين مييه
تزور الكاتبة الفرنسية كاترين مييه العاصمة
اللبنانية بدعوة من مجلة "جسد"، لتوقيع الترجمة العربية لكتابها
"حياة كاترين م. الجنسية" (ترجمة نور الأسعد)، وهي باكورة سلسلة
"منشورات جسد" التي تصدرها "دار الجمانة للنشر والترجمة".
ينعقد حفل التوقيع في مكتبة "فيرجين ميغاستور" في وسط بيروت، بين
الخامسة والسابعة من مساء السبت 19 كانون الأول الجاري، ويتضمن قراءات من الكتاب
بالعربية والفرنسية، وحواراً مع الكاتبة تجريه الناشرة - الشاعرة والصحافية اللبنانية
جمانة حداد - يليه أسئلة الجمهور، فالتوقيع. جدير بالذكر أن اللقاء يتزامن مع صدور
العدد الخامس من المجلة، التي تُتمّ بذلك سنتها الأولى، وتستقبل القراء في جناح
خاص بها في معرض بيروت الدولي للكتاب، حيث يمكن شراء أعداد "جسد" كافة،
الى جانب عمل مييه.
يذكر أن كاترين مييه كاتبة وناقدة فنية
فرنسية من مواليد 1948. أسّست عام 1972 إحدى أهم المجلات الفنية في القرن العشرين
في فرنسا (ART PRESS)،
وهي ترأس تحريرها الى اليوم. لها مؤلفات عديدة في النقد الفني المعاصر. نشرت
كتابها "حياة كاترين م. الجنسية" عام 2001 (منشورات "سوي")،
فأحدث بمحتواه الفج والفضائحي صدمة في الوسط الثقافي الفرنسي، وترجم الى 33 لغة،
وبيعت منه أكثر من ثلاثة ملايين نسخة، جاعلاً من كاتبته نجمة أدبية عالمية بلا
منازع. وهذه المرّة الأولى يُنشر فيها الكتاب باللغة العربية.
مقتطف من الكتاب
غلاف الكتاب
1
أحبّ جدّاً أن أمصّ قضيب الرجل. بدأ هذا
الأمر يستهويني في الوقت نفسه تقريباً الذي رحت أتدرّب فيه على توجيه حشفة القضيب
المكشوفة نحو الفتحة الأخرى، نحو ذاك الجوف الغامض. في بادىء الأمر، خلت، أنا
الساذجة، أنّ مصّ العضو الذكوريّ ضربٌ من الأعمال الجنسية المشينة؛ لا بل ما زلت
أذكر كيف رحت أشرح هذا الأمر لإحدى صديقاتي، بنبرةٍ ملؤها الارتياب وشيء من القرف.
ومع أنّني كنت أتصنّع اللامبالاة حينها، إلا أنني كنت، في الواقع، فخورةً كل الفخر
باكتشافي الجديد هذا ومقدرتي على التأقلم معه ومواجهته. لكن لكم يشقّ عليّ الآن أن
أشرح تفاصيل هذه المقدرة: ففي ما يتعدّى الهالة القديرة التي تحيط بالمرحلة
الفموية، وقبل التجرّؤ وتنفيذ عمل نخاله شاذّاً عن الطبيعة، لا بدّ لنا أوّلاً،
نحن النسوة، من التماهي، وإن بشكلٍ غامض، مع العضو الذي نتملّكه. هو هذا الاكتشاف
الذي يولد، في الوقت عينه، على أطراف الأنامل واللسان، فيضيف إلى جعبتنا معارف ما
كنّا ندركها عن تضاريسه وردود فعله، مهما بلغت من الدقة وبغضّ النظر عن درجة
تفاهتها؛ ولعلّ الكنوز المعرفية التي نجمعها حينذاك تفوق كلّ ما يعرفه صاحب العضو
الذكوريّ نفسه عن قضيبه. فإذا بشعورٍ لا يوصف من السيطرة والسيادة يختلج بصدرنا
نتيجةً لذلك: فما هو إلا ارتعاشٌ طفيفٌ يرقص عند طرف لساننا، حتى نستثير رداً يطيح
الحدود كلّها. زد على ذلك كلّه أنّ استقبال المرأة للقضيب بملء شدقيها يمنحها
إحساساً بالامتلاء أكثر ممّا يفعل ولوجُهُ المهبلَ نفسه. صحيحٌ أنّ الشعور الناتج
من ولوج المهبل سرعان ما يتألّق فيتفشى في الجسد كلّه، حيث يخال إلينا أنّ القضيب
ينزلق فيه انزلاقاً، إلا أنّنا نستطيع أن نميّز كلّ التمييز، في الحالة الأخرى،
تلك الملامسات الرقيقة التي تخلّفها فينا حشفة القضيب، سواء داخل الشفتين أم
خارجهما، أفوقَ اللسان أم عند الحنك، وتوغلاً حتى الحنجرة. أمّا إذا كان هذا كلّه
لا يكفي، فحسبنا أنّنا، في المرحلة الأخيرة، نتمكّن من تذوّق المني. باختصار، إننا
نستمتع بمصّ القضيب بقدر ما نوفّر له المتعة أنفسنا. يبقى، بالنسبة اليَّ، سرّ الانتقال
من الفتحة العليا إلى الفتحة السفلى. فكيف يعقل أنّ المصّ يخلّف آثاره على الطرف
الآخر من الجسد، وأنّ ضمّ الشفتين حول القضيب إنما يخلق إحساساً لا يوصف بالشدّ
والتضييق عند مدخل المهبل بدوره؟ في الواقع، عندما ألحس القضيب جيّداً، فأتأنّى في
متعتي، وأخصّص متّسعاً من الوقت لأعدّل من وضعيّتي، وأنوّع من إيقاعي، تجتاحني، من
منبعٍ ليس في جسدي، حالةٌ من التلهّف والهياج العصبيّ؛ فتدفق عليّ من سيلها، وتحشد
فيّ قوّةً جسديّة عظيمة، هنا، عند هذا المكان الذي لا أملك له في ذهني إلا صورةً
باهتة، عند حافة هذه الهاوية التي تفتحني بشكل لا يعرف لا حدوداً ولا مقاييس.
لكأنّها فتحة برميل نطوّقه بدائرة. أفهم إذاً أن تطبق الشفتان بحلقتهما حول القضيب
بتأثير حالة من التهيّج التي انتقلت إليهما، كالعدوى، من البظر المجاور. لكن أن
يصدر الأمر بالمتعة من الجهاز الفموي نفسه، فهذا ما لا أجد سبيلاً إلى فهمه! لا
شكّ في أنّ سرّ ذلك يكمن في زاوية ما من خفايا الذهن. فكم من مرّة انصرفت فيها إلى
المصّ وأنا مسدلة الجفنين، إلا أنّني كنت أشعر بعينيّ دانيتين جداً من القضيب حيث
رحت أزاول عملي الدقيق، الى درجة أنّني أخذت أراه أمام ناظريّ؛ وقد استحالت الصورة
التي استقبلتها منشّطاً شهوانياً عظيماً، قادراً على إطلاق الرغبة من مكبوتاتها.
من يدري، لعلّ سرّ هذه الخيالات الجامحة يكمن في الدماغ أيضاً: فوراء ستار
العينين، يتمتّع دماغنا بذكاء فوريّ ومثاليّ، قادر على الإحاطة تماماً بهذا الشيء
الذي يكاد يلامسه! أمّا أنا، فلا أملك إلا أن ألحظ كلّ هذه التدابير التي انتهجتها
لي مسلكاً، أضبط على وتيرته سرعة أنفاسي: من غلاف يدي المرن، إلى شفتيّ المثنيّتين
فوق الأسنان خشية إصابته بأيّ جرح، فلساني الذي يداعب، بين الفينة والأخرى، حشفة
القضيب ما إن يصبح على مقربة منه. وتروح نظراتي تقوّم حركة أطرافي بدقة، متوقّفةً
عند اليد التي ترافق الشفتين، ومن دون أن تغفل عن حركة دائرية خفيفة في بعض
الأحيان، تقدم عليها يدي، ثمّ تشدّ من قبضتها على البرعم الكبير عند الطرف. فجأةً،
ترخي اليد من قبضتها لتروح تهزّ القضيب بكلّ ما أوتيت من قوّة، لكنّها تبقى ممسكةً
به ككمّاشة بواسطة إصبعين ليس إلا، ولا تلبث أن تهيّج طرفه الحريري فوق مخدّة
الشفتين اللتين تختتمان مهمّتهما بقبلة. حينذاك، يفلت من جاك دائماً تأوّهٌ مسموع،
ووجيز، لكأنّها نشوةٌ فاجأته على حين غفلة (على رغم أنّه ملمّ كلّ الإلمام بتفاصيل
هذه العملية)، ممّا يضاعف من تهيّجي، ولا سيّما عندما تطلق اليد سراح القضيب، في
دعوة إلى الغور في غياهب الفم إلى ما لا نهاية، حتى ملامسة أعماق الحنجرة. عندئذٍ،
أحاول أن أحافظ على هذه الوضعية لبضع هنيهات، لا بل أذهب حدّ تحريك طرفه المتكوّر
في أعماق حنكي، حتى تطفر الدموع من عينيّ، ويغمرني إحساسٌ بالاختناق. لكن في إمكان
المرأة أن تجرّب احتمالاً آخر، شرط أن تتمكّن من المحافظة على توازن جسمها، فتثبّت
شفتيها فوق القضيب، ثمّ تدور حوله برأسها كلّه، وكلّها حرص على مداعبته من وجنتيها
تارةً، ومن ذقنها المبلّل باللعاب طوراً، ومن جبينها وما ينسدل منه من خصلات، لا
بل حتى من أنفها أيضاً. بعد ذلك، لا ألبث أن ألحس القضيب بسخاء، ثمّ ألعق حتى
الخصيتين اللتين يخيّل للمرء أنهما تتّخذان وضعيّتهما بكلّ سهولة داخل فمي. غير
أنّ تلك الحركات تتقاطع هذه المرة مع وقفاتٍ أطول عند الحشفة، حيث يروح رأس اللسان
يرسم دوائر، إن لم نقل إنّه يتفرّغ لحركات من الغنج والاستثارة عند حاشية القلفة.
فجأةً، ومن دون سابق إنذار، أبتلع كلّ شيء، فتتناهى إلى مسامعي صيحةٌ تتردّد
موجاتها الذكورية المنيعة إلى مدخل فرجي.
لو تركتُ قلمي على هواه، لمضى يخط في هذا
الموضوع صفحات وصفحات، ولا سيّما أنّ مجرّد الإشارة إلى هذا العمل الدؤوب يعتق فيّ
أولى علامات التهيّج. لعلّني أقيم رابطاً من التوافق والانسجام، وإن كان بعيداً،
بين أسلوبي في مصّ القضيب، بكلّ مظاهر الزخرفة والزينة التي أضفيها عليه، وبين هذه
العناية الشديدة التي أغمّس فيها حبر الكتابة أثناء الوصف. على رغم ذلك، حسبي أن
أضيف معلومةً واحدة، فأصف كم يروق لي أن أتخلى عن دور الآمرة في السرير أحياناً.
بالفعل، يطيب لي أن يثبّت الرجل رأسي بين يدين صلبتين، فيولج قضيبه في فمي كما كان
ليفعل في فرجي. في الواقع، أشعر بحاجة إلى استقبال القضيب في فمي خلال اللحظات
الأولى من العلاقة الجنسية، لا لشيءٍ إلا لأهيّج ما يكفي من الدماء لافتعال حالة
الانتصاب. حينذاك، إمّا نكون واقفَين فأنساب عند قدمَي شريكي، وإمّا نستلقي على
السرير فأهرع إليه من تحت الغطاء. لكأنّنا نمارس لعبةً، تنصّ قواعدها على البحث في
العتمة عن مصدر اشتهائي ورغبتي. زد على ذلك أنّني أتحوّل في هذه المناسبات إلى
طفلة شرهة، تتكلّم بطريقةٍ طفولية حمقاء؛ فيعلو صوتي وأنا أطالب
بـ"مصّاصتي"، ولا أخفي أنّ هذا الأمر يبرق أساريري متعةً. عندما أرفع
رأسي أخيراً، ومن الضروري أن أرفعه لأرخي عضلاتي المسفوطة إلى داخل وجنتيّ، أحرص
دائماً على أن أتمتم: "هممم... كم هذا طيّب!"، كشخص يريد أن يقنع السامع
بأنه قد أرضى جوعه بينما يكون مشغولاً بالتهام المزيد. نسجاً على المنوال نفسه، لا
بدّ لي من القول إنّني أتقبّل الإطراء بزهو تلميذٍ نجيب، يوم توزيع العلامات
المدرسية. فلا تهنئة تشجّعني وتدفعني إلى المضيّ قدماً أكثر من شخص يؤكّد أنّني
أحتلّ المرتبة الأولى في "المصّ". لا بل حدّث ولا حرج عن ذاك الإطراء
الذي تلقّيته، في سياق الموضوع الذي يطرحه هذا الكتاب، عندما طرحت السؤال على أحد
عشّاقي، بعد خمس وعشرين سنة على نهاية علاقتنا الجنسية، فوجدته يخبرني أنّه، منذ
انفصالنا: "لم يصادف أيّ فتاة أخرى تباريني في المصّ". عند ذاك، لا أملك
إلا أن أسدل جفنيّ علامة الخفر والحياء، لكن أيضاً لألجم جموح اعتزازي وفخري.
2
في طفولتي، لطالما شغلت بالي المسائل
المتعلّقة بالأرقام. فالأفكار التي ينسجها المرء في وحدته، أو الأعمال التي يقدم
عليها في عزلته، خلال السنوات الأولى من حياته بالتحديد، تبقى محفورةً بشكلٍ واضح
في ذاكرته: كيف لا وتلك هي الفرص الأولى التي تتجلى فيها ملكة الوعي لدينا، بينما
تبقى الحوادث التي نشرك فيها الغير سجينة المشاعر المتردّدة التي يزرعها فينا
الآخرون (كالإعجاب، أو الخشية، أو الحب، أو البغض)؛ تلك المشاعر التي لا نقدر، نحن
الأطفال، على أن نفصل بينها أو نفهمها كما يفعل الراشدون. أذكر إذاً أفكاراً كانت
ترتحل بي كلّ مساء، قبل أن يستولي عليّ النعاس، في عملية دقيقة من الحساب. فبعد
فترة بسيطة على ولادة شقيقي (كنت حينها قد بلغت من العمر ثلاث سنوات ونصف سنة)،
انتقلت عائلتي للسكن في شقة جديدة. وخلال السنوات الأولى التي أمضيناها في هذا
البيت الجديد، كان أهلي قد أودعوا سريري في غرفة النوم الكبرى، مقابل الباب. وكم
من مرّة جفا الرقاد مني المقلتين وأنا أحدّق في النور المتسلّل من المطبخ، حيث
كانت أمي وجدتي لا تزالان منهمكتين في أعمالهما؛ فلا تتمضمض عيناي بالنعاس إلا بعد
أن أكون قد سبرت أغوار هذه الأسئلة كلها، سؤالاً تلو الآخر.
كان أحد هذه الأسئلة يدور حول إمكان الاقتران
بأزواج عديدين. في طبيعة الحال، لا أقصد بذلك إمكان الزواج أكثر من مرّة- فهذا
أمرٌ واقع- إنما أعني الشروط والظروف المرتبطة بهذا الأمر. فهل من الممكن أن تقترن
امرأةٌ بأزواج عديدين في الوقت عينه أم بزوج تلو الآخر فقط؟ في هذه الحالة، ما هي
المدّة الواجب أن تمضيها الزوجة مع زوج واحد قبل أن تتمكّن من تبديله؟ وما هو
العدد "المعقول" للأزواج الذين تستطيع الحصول عليهم؟ أهو عدد بسيط،
كخمسة أو ستة أزواج مثلاً، أم ما لا يعدّ ولا يحصى من الشركاء؟ ماذا عني، أيّ
طريقة سأعتمدها أنا عندما أكبر؟
ترجمة نور الأسـعد
بيار أبي صعب
كاترين ميّيه ناقدة فنيّة ترتعد سوق الفن في
باريس لذكر اسمها، بحكم موقعها على رأس مجلّة Art Press المرجعيّة منذ أكثر من
3 عقود. في أوّل خمسينياتها، بعد دراسات رصينة عن دالي وإيف كلاين وآخرين، خطر لها
أن تبوح بحياتها الجنسيّة «غير التقليديّة»: حياة أساسها العلاقات المفتوحة والجنس
الجماعي، تتجاوز سرير الزوجيّة وعناق المحبّين والتيه الرومنسي، إلى متاهات وطقوس
موثقة فوتوغرافيّاً بعدسة زوجها الكاتب جاك أنريك. في «حياة كاترين م. الجنسيّة»
(سوي) الذي كان فضيحة الموسم في باريس 2001، تكشف الكاتبة بأسلوب دقيق ومحايد
وبارد، تفاصيل مغامراتها وتجاربها وأحاسيسها، وتطرح تأملاتها «الفلسفيّة» مستمتعةً
بنقل الحميم إلى الفضاء العام. الكتاب قَسَمَ الرأي العام في بلد الماركي دو ساد،
بين معجب بشجاعة ميّيه وجرأتها الصادمة، ومستهجن لتلك الاستعراضيّة السهلة التي
تسعى إلى تحقيق صفقة تجاريّة.
بعد
ملايين النسخ المباعة في 33 لغة، يصلنا الكتاب معرّباً (نور الأسعد)، برعاية
الشاعرة جمانة حداد التي تطلقه مساء غد، بحضور المؤلفة، في «فيرجين ميغاستور» (وسط
بيروت)، محتفلةً بمرور عام على مجلتها «جسد»... على أن يباع مغلفاً بالسيلوفان
«للراشدين فقط». فعل تجاوز؟ أم مزيد من اللعب على الكبت والانحطاط اللذين يلفان
الراهن العربي، من قبل مجلّة تبيع حريّة الجسد على الورق المصقول، من دون أي
انخراط فكري أو سلوكي في المواجهة، ولا أي اشتباك جدّي مع البنى الأيديولوجيّة
التي تكبّل الجسد؟ أم عبث نرجسي يعزّز الاستلاب في بلد لا يعترف بحق الإجهاض، ولا
يسمح بالزواج المدني، ولا يجيز لمواطنة متزوّجة من أجنبي أن تمنح جنسيّتها
لأولادها؟
كاترين مييه كاتبة وناقدة فنية فرنسية من
مواليد 1948. أسست عام 1972 إحدى أهم المجلات الفنية في القرن العشرين في فرنسا (ART PRESS)، وهي ترأس تحريرها
الى اليوم. لها مؤلفات عدة في النقد الفني المعاصر. نشرت كتابها «حياة كاترين م.
الجنسية.» عام 2001 (منشورات «سوي»)، فأحدث صدمة في الوسط الثقافي الفرنسي، وترجم
الى 33 لغة، وبيعت منه أكثر من ثلاثة ملايين نسخة، جاعلاً من كاتبته نجمة أدبية
عالمية بلا منازع. وهي المرة الأولى يُنشر فيها الكتاب باللغة العربية بترجمة نور
الأسعد
حياة كاتريين م. الجنسية:
القراءة بحثاً عّما هو مخفي
أحمد ناجي
لا يوجد أنسب من الصيف لقراءة كتاب بعنوان
"حياة كاترين م. الجنسية". فالكتاب تتوافر فيه كل مقومات القراءة
الخفيفة، عنوان فضائحي جذاب، نص تتنوع فيه المغامرات الجنسية وعجائب الأفعال
الايروتيكية، ويبتعد تماماً عن أي نوع من التراجيديا أو الدراما المفرطة.
لكن العنوان الفضائحي الجذاب للكتاب لا يحقق
غرضه إذا لم نعرف من هي كاترين مييه مؤلفة الكتاب، وهي ليست بالشخصية الجديدة أو
الغريبة علي الثقافة العربية حيث ترجمت لها راوية صادق قبل ذلك كتاب "الفن
المعاصر" والذي صدر عن دار شرقيات عام 2002، وهو واحد من الكتب المرجعية عن
حركة الفن المعاصر ويجسد خلاصة خبرة وتجربة كاترين رئيسية تحرير الدورية الفنية
"Art Press".
وخلال 30 عاماً رأست فيه تلك الدورية وكتبت عشرات المقالات والدراسات عن الحراك
الفني في نهاية القرن العشرين تحولت كاترين مييه إلي واحده من أهم أسماء النقد
الفني المعاصر علي مستوي عالمي، لهذا فحينما صدر كتاب سيرتها الجنسية عام 2001 كان
بمثابة قنبلة فضائحية من الطراز الأول، نتج عنها بيع الكتاب لأكثر من ثلاثة ملايين
نسخة، وترجمته لأكثر من 33 لغة.
احتاج الأمر لثماني سنوات بعد صدور الكتاب
بالفرنسية ليتم نشره باللغة العربية عن منشورات جسد اللبنانية بترجمة لنور الأسعد.
الكتاب مقسم إلي أربعة فصول رئيسية العدد، المكان، المكان المنطوي علي نفسه،
تفاصيل. لكن القارئ لا يشعر بأي اختلاف بين جميع هذه الفصول فالكتاب كله يبدو
كمونولوج طويل من الاعترافات لكن الخدعة تكمن تحت طبقاته وتحتاج إلي قارئ ذكي
لاستخلاصها.
سيشعر القارئ في البداية بالصدمة من
الاستخدام المفرط للألفاظ الجنسية الصريحة، ومن المنطق اللامبالي بالأخلاق
والعواطف وفصل الاثنين عن الممارسة الجنسية. ففي الفصل الأول "الأرقام"
تحكي كاترين عن شغفها بالأعداد وحلمها وهي صغيرة حول امكانية الزواج من عدد مختلف
من الأزواج في نفس الوقت. هذا الحلم الطفولي
الذي راودها وهي لم تبلغ العاشرة احتاج منها أن تصل لسن الثامنة عشر لتفقد عذريتها
للمرة الأولي وبعدها بأقل من أسبوعين كانت تجربتها الأولي في الجنس الجماعي، ثم
تمضي الكاتبة في سرد مغامراتها الجنسية المتعددة حتي صفحة 19 حينما تلتقي بجاك
انريك الشاعر والروائي لتزداد المغامرات الجنسية سخونة، فانريك واحد من هؤلاء
الذين يمتلكون بحبوحة مادية تمكنهم الحركة بمنتهي الحرية وفي نفس الوقت فهو لديه
ميول قوية تجعله يستمتع بالجنس في إطار الممارسات الجماعية حيث يأخذ كاترين كطفلة
صغيرة في الحادية والعشرين من عمرها نحو مستوي أعمق من الممارسات الجماعية، مرة
علي الحشائش في غابة علي حدود باريس، فنادق رخيصة حيث تستلقي في غرفة رديئة
والرجال يقفون في صف طويل في انتظار الدخول والقذف عليها، بارات ومطاعم سرية شرط
دخولها التعري الكامل... إلخ، إلخ..
لكن بعد عدد قليل من الصفحات تفقد هذه
الوقائع أثرها الصادم، يعتاد القارئ علي اللغة، ولا يجد في تلك الصراحة المفرطة أي
نوع من الجاذبية خصوصاً حينما تتكشف اللعبة حيث أن الكتاب الذي تحاول كاترين
كتابته ليس اعترافات، بل محاولة لتغطية أمر ما، فالصورة التي ترسمها كاترين عن
نفسها كامرأة قوية غير مبالية، تستمتع بالجنس إلي أقصي درجة، وتصل في علاقتها
بجسدها وأجساد الآخرين إلي مستوي يقترب من التصوف.. كل هذا ليس إلا حالة لإخفاء
هذه المشاعر القوية تجاه "جاك انريك" الذي يمكن اعتباره بمثابة المرشد
والمعلم لها في حياتها. هي لا تعترف بهذه المعلومة أبداً الأمر الذي يجعل النص
دائماً متوتراً ورغم كمية الكشف والصراحة التي يحتويها إلا أن المخفي يظل أكثر من
المصرح به، الأمر الذي يدفع القارئ للتركيز أكثر في القراءة لمحاولة معرفة ما بين
السطور، وذلك حتي تتم ترجمة كتابها الجديد "الغيرة: الوجه الأخر لحياة كاترين
م." والذي صدر عام 2008.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق